الحیوان ذلک المخلوق المعطاء:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
سورة النّحل / الآیة 3 ـ 8 أهمّیّة الزراعة والثروة الحیوانیة:

بعد أنْ تحدثت الآیات السابقة عن نفی الشرک، جاءت هذه الآیات لتقلع جذوره بالکامل، وتوجّه الإنسان نحو خالقه بطریقین:

الأوّل: عن طریق الأدلة العقلیة من خلال فهم ومحاولة استیعاب ما فی الخلائق من نظام عجیب.

الثّانی: عن طریق العاطفة ببیان نعم اللّه الواسعة على الإنسان، عسى أن یتحرک فیه حس الشکر على النعم فیتقرب من خلاله إلى المنعم سبحانه.

فیقول: (خلق السماوات والأرض بالحق ).

وتتّضح حقّانیّة السماوات والأرض من نظامها المحکم وخلقها المنظّم وکذلک من هدف خلقها وما فیها من منافع.

ثمّ یضیف: (تعالى عمّا یشرکون ).

فهل تستطیع الأصنام إیجاد ما أوجده اللّه؟!

بل هل تستطیع أن تخلق بعوضة صغیرة أو ذرة تراب؟!

فکیف إذن جعلوها شریکة اللّه سبحانه!!..

والمضحک المبکی فی حال المشرکین أنّهم یعتبرون اللّه هو الخالق عن علم وقدرة لهذا النظام العجیب والخلق البدیع.. ومع ذلک فهم یسجدون للأصنام!

وبعد الإشارة إلى خلق السماوات والأرض وما فیها من أسرار لا متناهیة یعرّج القرآن الکریم إلى بعض تفاصیل خلق الإنسان من الناحیة التکوینیة فیقول: (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصیم مبین ).

«النطفة» (فی الأصل) بمعنى: الماء القلیل، أو الماء الصافی، ثمّ أطلقت على قطرات الماء التی تکون سبباً لوجود الإنسان بعد تلقیحها.

وحقیقة التعبیر یراد به تبیان عظمة وقدرة اللّه عزَّ وجلّ، حیث یخلق هذا المخلوق العجیب من قطرة ماء حقیرة مع ما له من قیمة وتکریم وشرف بین باقی المخلوقات وعند اللّه أیضاً.

هذا إذا ما اعتبرنا «الخصیم» بمعنى المدافع والمعبّر عمّا فی نفسه، کما تخبرنا الآیة 105 من سورة النساء بذلک: (ولا تکن للخائنین خصیم ) کما ذهب إلیه جمع من المفسّرین.

وهناک من یذهب إلى تفسیر آخر، خلاصته: بقدرة اللّه التامة خُلق الإنسان من نطفة حقیرة، ولکنّ هذا المخلوق غیر الشکور یقف فی کثیر من المواضع مجادلا خصیماً أمام خالقه، واعتبروا الآیة السابعة والسبعین من سورة یس شاهداً على ما ذهبوا إلیه.

إلاّ أنّ التّفسیر الأوّل ـ کما یبدو ـ أقرب من الثّانی، لأنّ الآیات أعلاه فی مقام بیان عظمة اللّه وقدرته، وتتبیّن عظمته بشکل جلّی حین یخلق کائناً شریفاً جدّاً من مادة لیست بذی شأن فی ظاهرها.

وجاء فی تفسیر علی بن إبراهیم: (خلقه من قطرة من ماء منتن فیکون خصیماً متکلماً بلیغاً) (1) .

ثمّ یشیر القرآن الکریم إلى نعمة خلق الحیوانات وما تدر من فوائد کثیرة للإنسان فیقول: (والأنعام خلقها لکم فیها دفء ومنافع ومنها تأکلون ).

فخلق الأنعام الدال على علم وقدرة الباری سبحانه، فیها من الفوائد الکثیرة للإنسان، وقد أشارت الآیة إلى ثلاث فوائد:

أوّلاً: «الدفء» ویشمل کلّ ما یتغطّى به (بالاستفادة من وبرها وجلودها) کاللباس والأغطیة والأحذیة والأخبیة.

ثانیاً: «المنافع» إشارة إلى اللبن ومشتقاته.

ثالثاً: «منها تأکلون» أیْ، اللحم.

ویلاحظ تقدیم الملابس والأغطیة والمسکن، فی استعراض منافع الأنعام دون المنافع الأخرى، وهذا دلیل على أهمّیتها وضروریتها فی الحیاة.

ویلاحظ أیضاً مجیء کلمة «الدفء» قبل «المنافع» إشارة إلى أنّ ما تدفع به الضرر مقدّم على ما یجلب لک فیه المنفعة.

ویمکن للبعض ممن یخالفون أکل اللحوم أن یستدلوا بظاهر هذه الآیة، حیث لم یعتبر الباری جلّ شأنه مسألة أکل لحومها ضمن منافعها، ولهذا نرى قد جاءت (ومنها تأکلون )بعد ذکر کلمة «المنافع»، وأقل ما یستنتج من الآیة اعتبارها لأهمّیة الألبان أکثر بکثیر من اللحوم.

ولم یکتف بذکر منافعها المادیة، بل أشار إلى المنافع النفسیّة والمعنویة کذلک حین قال: (ولکم فیها جمال حین تریحون وحین تسرحون ).

«تریحون»: (من مادة الإراحة) بمعنى إرجاع الحیوانات عند الغروب إلى محل إستراحتها، ولهذا یطلق على ذلک المحل اسم (المراح).

و «تسرحون»: (من مادة السروح) بمعنى خروج الحیوانات صباحاً إلى مراعیها.

عبّر القرآن بکلمة «جمال» عن تلک الحرکة الجماعیة للأنعام حین تسرح إلى مراعیها وتعود إلى مراحها، لما لها من جمال ورونق خاص یغبط الإنسان، والمعبّر عن حقیقة راسخة فی عمق المجتمع.

فحرکة الإبل إضافة إلى روعتها فإنّها تطمئن المجتمع بأنّ ما تحتاجه من مستلزمات حیاتک ها هو یسیر بین عینیک، فتمتّع به وخذ منه ما تحتاجه،  ولا داعی لأن ترتبط بهذا أو ذاک فتستضعف، وکأنّها تخاطبه: فأنت مکتف ذاتیاً بواسطتی.

فـ «الجمال» جمال استغناء واکتفاء ذاتی، وجمال إنتاج وتأمین متطلبات اُمّة کاملة،

وبعبارة أوضح: جمال الإستقلال الاقتصادی وقطع کل تبعیّة للغیر!

والحقیقة التی یدرکها القرویون وأبناء الریف أکثر من غیرهم، هی ما تعطیه حرکة تلک الأنعام من راحة نفسیّة للإنسان، راحة الإحساس بعدم الحاجة والإستغناء، راحة تأدیة إحدى الوظائف الإجتماعیة الهامّة.

ومن لطیف الإشارة أنْ بدأت الآیة أعلاه بذکر عودة الأنعام إلى مراحها، حیث الملاحظ علیها فی هذه الحال أثدیتها ملأى باللبن، بطونها ممتلئة، یشاهد على وجوهها علائم الرضا والإرتیاح ولا یُرى فیها ذلک الحرص والولع والعجلة التی تظهر علیها حین خروجها فی الصباح، بل تسیر هادئة مطمئنة نحو محل استراحتها، ویکفیک الشعور بالغنى من خلال رؤیة أثدائها.

ثمّ یشیر تعالى فی الآیة التی تلیها إلى إحدى المنافع المهمّة الاُخرى فیقول: (وتحمل أثقالکم إلى بلد لم تکونوا بالغیه إلاَّ بشق الأنفس ) وهذا مظهر من مظاهر رحمة الله عزَّوجلّ ورأفته حیث سخّر لنا هذه الحیوانات مع ما تملک من قدرة وقوّة (إنّ ربّکم لرؤوف رحیم ).

«الشق»: (من مادة المشقة)، ولکنّ بعض المفسّرین احتمل أنّها بمعنى الشق والقطع، أیْ أنّکم لا تستطیعون حمل هذه الأثقال وإیصالها إلى مقاصدکم إلاّ بعد أنْ تخسروا نصف قوّتکم.

ویبدو أنّ التّفسیر الأوّل أقرب من الثّانی.

فالأنعام إذَنْ: تعطی للإنسان ما یلبسه ویدفع عنه الحر والبرد. وکذلک تعطیه الألبان واللحوم لیتقوّت بها. وتترک فی نفس الإنسان آثاراً نفسیّة طیّبة. وأخیراً تحمل أثقاله.

وبالرغم ممّا وصل إلیه التقدّم التقنی فی مدنیة الإنسان وتهیئة وسائل النقل الحدیثة، إلاّ أنّ سلوک کثیر من الطرق لا زال منحصراً بالدواب.

ثمّ یعرج على نوع آخر من الحیوانات، یستفید الإنسان منها فی تنقلاته، فیقول: (والخیل والبغال والحمیر لترکبوها وزینة ).

و«زینة» هنا لیست کلمة زائدة أو عابرة بقدر ما تعبّر عن واقع الزینة فی مفهومها الصحیح، وما لها من أثر على ظاهر الحیاة الإجتماعیة.

ولأجل الإیضاح بشکل أقرب نقول: لو قطع شخص طریقاً صحراویاً طویلا مشیاً على الأقدام، فکیف سیصل مقصده؟ سیصله وهو متعب خائر القوى، ولا یقوى على القیام بأىّ نشاط.

أمّا إذا ما استعمل وسیلة مریحة سریعة فی سفره، فإنّه ـ والحال هذه ـ سیصل إلى مقصده وقد کسب الوقت، ولم یهدر طاقاته، وحافظ على النشاط والقدرة على قضاء حوائجه... بعد کلّ هذا، أوَ لیس ذلک زینة؟!

وتأتی الإشارة فی ذیل الآیة إلى ما سیصل إلیه مآل الإنسان فی الحصول على الوسائط النقلیة المدنیة من غیر الحیوانات، فیقول: (ویخلق ما لا تعلمون ) من المراکب ووسائل النقل.

وبعض قدماء المفسّرین اعتبر هذا المقطع من الآیة إشارة إلى حیوانات ستخلق فی المستقبل لیستعملها الإنسان فی تنقلاته.

وورد فی تفسیر (المراغی) وتفسیر (فی ظلال القرآن) أنّ درک مفهوم هذه الجملة أسهل لنا ونحن نعیش فی عصر السیّارة ووسائل النقل السریعة الاُخرى.

وعند ما تعبّر الآیة بکلمة «یخلق» فذلک لأنّ الإنسان فی اختراعه لتلک الوسائل لیس هو الخالق لها، بل إنّ المواد الأولیّة اللازمة للإختراعات، مخلوقة وموجودة بین أیدینا وما على الإنسان إلاّ أنْ یستعمل ما وهبه اللّه من قدرة على الإختراع لما أودع فیه من إستعداد وقابلیة بتشکیل وترکیب تلک المواد على هیئة یمکن من خلالها أن تعطی شیئاً آخر یفید الإنسان.


1. تفسیر نورالثقلین، ج 3، ص 39، ح 8 .
سورة النّحل / الآیة 3 ـ 8 أهمّیّة الزراعة والثروة الحیوانیة:
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma