لقد ذکرَ المفسّرون استناداً للروایات الواردة أسباباً عدیدة لنزول هذه الآیات، وفیما یلی سنتعرّض بشکل موجز إلى هذه الأسباب معتمدین بشکل مُباشر على تفسیر مجمع البیان الذی قال:

إنَّ جماعة مِن وُجهاء قریش ـ وفیهم الولید بن المغیرة وأبوجهل ـ اجتمعوا عند الکعبة، وقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمّد فکلّموه وخاصموه، فبعثوا إلیه إنَّ أشراف قومک قد اجتمعوا لک، فبادر (صلى الله علیه وآله) إلیهم ظنّاً مِنهُ، أنَّهُم بدا لهم فی أمره، وکانَ حریصاً على رشدهم، فجلس إلیهم، فقالوا: یا محمّد إنّا دعوناک لِنعذر إلیک،  فلا نعلم أحداً أدخلَ على قومه ما أدخلت على قومک، شتمت الآلهة، وعبت الدین وسفّهت الأحکام، وفرّقت الجماعة، فإن کُنت جئت بهذا لتطلب مالا أعطیناک، وإن کنت تطلب الشرف سوّدناک علینا، وإن کانت علّة غلبت علیک طلبنا لک الأطباء.

فقال (صلى الله علیه وآله): «لیس شیءٌ مِن ذلک، بل بعثنی الله إلیکم رسولا، وأنزل کتاباً، فإن قبلتم ما جئت به فهو حظکم فی الدنیا والآخرة، وإن تردّوه أصبر حتى یحکم الله بیننا».

قالوا: فإذَن لیسَ أحد أضیق بلداً مِنّا فاسأل ربّک أن یُسیِّر هذه الجبال، ویجری لنا أنهاراً کأنهار الشام والعراق، وأن یبعث لنا مَن مضى ولیکن فیهم قصیّ فإنَّهُ شیخٌ صدوق لنسألهم عمّا تقول أحقٌ أم باطل.

فقال (صلى الله علیه وآله): «ما بهذا بعثت».

قالوا: فإن لم تفعل ذلک فاسأل ربّک أن یبعث ملکاً یصدّقک ویجعل لنا جنّات وکنوزاً وقصوراً مِن ذهب.

فقال (صلى الله علیه وآله): «ما بهذا بعثت، وقد جئتکم بما بعثنی الله به، فإن قبلتم وإلاَّ فهو یحکم بینی وبینکم».

قالوا: فأسقط علینا السماء کما زعمت إنّ ربّک إن شاء فعل ذلک.

قال (صلى الله علیه وآله): «ذاک إلى الله إن شاء فعل».

وقال قائلٌ مِنهم: لا نؤمن حتى تأتی بالله والملائکة قبیلا.

فقام النّبی (صلى الله علیه وآله) وقامَ معهُ عبد الله بن أبی أمیّة المخزومی ابن عمّته عاتکة بنت عبد المطلب، فقال: یا محمّد عرضَ علیک قومک ما عرضوا فلم تقبله، ثمّ سألوک لأنفسهم اُموراً فلم تفعل، ثمّ سألوک أن تعجِّل ما تخوّفهم به فلم تفعل، فوالله لا أؤمن بک أبداً حتى تتخذ سلَّماً إلى السماء ثمّ ترقى فیه وأنا أنظر، ویأتی معک نفرٌ مِن الملائکة یشهدون لک، وکتاب یشهد لک.

وقال أبوجهل: إنَّهُ أبى إلاَّ سبّ الآلهة وشتم الآباء، وأنا اُعاهد الله لأحملن حجراً فإذا سجد ضربت بهِ رأسهُ.

فانصرف رسول الله (صلى الله علیه وآله) حزیناً لما رأى مِن قومه، فأنزل الله سبحانه الآیات أعلاه(1) .

1. تفسیر مجمع البیان ذیل الآیات مورد البحث وکذلک جاءَ مثلهُ مع تفاوت فی الدر المنثور للسیوطی ذیل الآیات مورد البحث.