أوّلاً: الملاحظات التربویة فی هذه القصّة التأریخیة

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
کیف تمّ بناء سد ذی القرنین؟ ثانیاً: مَن هو ذو القرنین؟

سنبحث فیما بعد ـ إن شاء الله ـ ما یتعلّق بذی القرنین; مَن هو؟ وکیف تمّ سفره للشرق والغرب; وأین کان السد الذی أنشأه؟ وغیر ذلک، ولکن بصرف النظر عن الجوانب التاریخیة، فإنَّ القصّة بشکل عام تحوی على دروس تربویة کثیرة من الضروری الإلتفات إلیها والإفادة مِنها، وفی الواقع أنّها هی الهدف القرآنی مِن إیرادها. ویمکن تلخیص هذه الدروس بالشکل الآتی:

إنَّ أوّل درس تعلّمنا إیَّاه أنَّ العمل الدنیوی لا یتمّ دون توفیر أسبابه، لذا فإنَّ الله تبارک وتعالى وهَب الوسائل والأسباب لتقدم وانتصار ذی القرنین فی عمله: (وآتیناه مِن کلّ شی سبب ). وفی نفس الوقت استفاد «ذو القرنین» مِن هذه الأسباب والوسائل بأفضل وجه ممکن: (فأتبع سبب ).

لذلک فإنَّ مَن یظن أنَّهُ سیحصل على النصر مِن دون تهیئة أسبابه ومقدماته، فإنَّهُ لا یصل إلى مرامه حتى لو کان ذا القرنین نفسه!

بالرغم مِن أنَّ غروب الشمس فی عین من ماء آسن سببهُ خطأ فی الباصرة واشتباه مِنها، إلاَّ أنَّ المعنى الذی نلمحهُ مِن هذا المثال هو إمکان تغطیة الشمس مع عظمتها بالعین الآسنة ومثلها فی ذلک مثل ذلک الإنسان العظیم الذی یسقط وینهار بسبب خطأ واحد فتغرب شخصیته من انظار الناس.

لا تستطیع أی حکومة أن تنتصر بدون ترغیب الأنصار والأتباع، ومعاقبة المذنبین والمخطئین، وهذا هو نفس الأساس الذی اعتمد علیه ذو القرنین حیثُ قال: (قالَ أمّا مَن ظلم فسوف نعذّبه... * وأمّا مَن آمن وعمل صالحاً فلهُ جزاء الحسنى ).

والإمام أمیر المؤمنین علی (علیه السلام) بلور هذا المعنى فی رسالته إلى مالک الأشتر والتی هی برنامج کامل لإدارة البلاد، إذ یقول (علیه السلام): «ولا یکونن المحسن والمسیىء عندک بمنزلة سواء، فإنَّ فی ذلک تزهیداً لأهل الإحسان فی الإحسان، وتدریباً لأهلِ الإساءة على الإساءة» (1) .

التکلیف الشاق والتصعُّب فی الاُمور وتحمیل الناس ما لا یطیقون، کلّ هذه الاُمور لا تناسب الحکومة الإلهیّة العادلة أبداً، ولهذا السبب فإنَّ ذا القرنین بعد أن صرّح بمعاقبة الظالمین وتشویق الصالحین، أضاف: (وسنقول لهُ مِن أمرنا یُسر ) حتى یمکن إنجاز الأعمال عن شوق ورغبة.

الحکومة الکبیرة ذات الإمکانات الواسعة لا تتغاضى عن التفاوت والإختلاف القائم فی حیاة الناس وتُراعی شرائط حیاتهم الُمختلفة، ولهذا السبب فإنَّ «ذو القرنین» صاحب الحکومة الإلهیّة والذی واجهته أقوام مُختلفة، کانَ یتعامل معَ کلّ مجموعة بما یُناسب حیاتها الخاصّة، وبذلک کان الجمیع منضوین تحت لوائه.

إنَّ «ذو القرنین» لم یستبعد حتى تلک المجموعة التی لم تکن تفهم الکلام، أو کما وصفهم القرآن: (لا یکادون یفقهون قول ) بل إنَّهُ استمع إلى مشاکلهم، ودأب على رفع احتیاجاتهم بأىّ اُسلوب کان، وبنى لهم سدّاً محکماً بینهم وبین أعدائهم اللدودین (یأجوج ومأجوج) وقد قام بإنجاز اُمورهم بدون أن یفرّق بینهم (رغم أنَّهُ کان یظهر أنَّ مثل هؤلاء الناس عدیمی الفهم لا ینفعون الحکومة بأىّ شیء).

وفی حدیث عن الإمام الصادق (علیه السلام) نقرأ قوله: «إسماع الأصم مِن غیر تصعّر صدقة هنیئة» (2) .

الأمن هو أوّل وأهم شرط مِن شروط الحیاة الإجتماعیة السالمة، لهذا السبب تحمَّل «ذو القرنین» أصعب الأعمال وأشقّها لتأمین أمن القوم مِن أعدائهم، وقد استفاد مِن أقوى السدود وأمنعها الذی أصبح مضرب الأمثال فی التاریخ ورمزاً للإستحکام والدوام والبقاء، حیث یقال للبناء القوی «إنّه مثل سدّ الاسکندر» بالرغم من أنّ «ذو القرنین» غیر الاسکندر.

وعادةً لا یسعد المجتمع مِن دون قطع الطریق على المفسدین، ولهذا فإنَّ أوّل شیء طلبهُ إبراهیم (علیه السلام) عند بناء الکعبة هو الأمن: (ربّ اجعل هذا البلد آمن ) (3) .

ولهذا السبب أیضاً فإنَّ الفقه الإسلامی وضع أقسى العقوبات للذین یعرّضون أمن المجتمع إلى الخطر (راجع فی ذلک تفسیر الآیة 33 مِن سورة المائدة).

الدرس الآخر الذی یمکن أن نتعلّمهُ مِن هذه القصّة، هو أنَّ أصحاب المشکلة الأصلیین معنیین بالدرجة الاُولى فی الإشتراک فی الجهد المبذول لحلّ مُشکلتهم، لذا فإنَّ «ذو القرنین» أعطى أمراً إلى الفئة التی اشتکت إلیه أمر یأجوج ومأجوج بأن یجلبوا قطع الحدید، ثمّ أعطاهم الأمر بإشعال النار فی أطراف السد لدمج القطع فیما بینها، ثمّ أمرهم بتهیئة النحاس المذاب، وعادة فإنّ العمل الذی یتمّ بمساهمة وحضور الأطراف الأصلیین فی المشکلة یؤدّی إلى إظهار استعداداتهم ویعطی قیمة خاصّة للنتائج الحاصلة منه، وللجهود المبذولة فیه، ومِن ثمّ یحرص الجمیع للحفاظ علیه وإدامته بحکم تحمّلهم لمجهودات إنشائه.

کما یتّضح من هذه النقطة أنّ، المجتمع المتخلّف والمتأخّر یستطیع أن یُنجز أعمالا مهمّة وعظیمة إذا تمتّع ببرنامج صحیح وإدارة مُخلصة.

الزعیم الإلهی والقائد الرّبانی لا یلتفت إلى الجزاء المادی والنفع المالی وإنّما یقتنع بما حباه الله، لذا رأینا «ذو القرنین» عندما اقترحوا علیه الأموال قال: (ما مکّنّی فیه ربّی خیر )وهذا النمط مِن السلوک یخالف أسالیب السلاطین وولعهم العجیب بجمع الثروة والأموال.

وفی القرآن الکریم نقرأ مراراً فی قصص الأنبیاء أنّهم لم یکونوا یطلبون المال جزاءً لأعمالهم ودعواتهم.

ویمکن مُشاهدة هذاالموضوع فی 11 مورداً مِن القرآن الکریم، سواء ما یخص نبی الإسلام (صلى الله علیه وآله) أو الأنبیاء السابقین، ففی بعض الأحیان یذکر القرآن تعبیر: (إنّما أجری على الله). وفی أحیان اُخرى یضع القرآن محبّة أهل البیت (علیهم السلام) والذین هم رکن القیادة المستقبلیة أساساً للجزاء فیقول: (قل لا أسئلکم علیه أجراً إلاَّ المودّة فی القربى ).(4)

10ـ إحکام الاُمور هو درسٌ آخر نستفیده مِن هذه القصّة، فذو القرنین استفاد مِن القطع الحدیدیة الکبرى فی بناء السد، وقد وصلها بالنّار، ثمّ غطّاها بالنحاس المذاب کی تمتنع عن التلف والصدأ إذا تعرّضت للهواء والرطوبة.

11ـ مهما کان الإنسان قویّاً ومُتمکناً وصاحب قدرة واستطاعة فی إنجاز الأعمال، فعلیه أن لا یغتر بنفسه، وهذا هو درسٌ آخر نتعلّمهُ مِن قصّة «ذو القرنین». فقد اعتمد فی جمیع شؤونه على قدرة الخالق جلَّ وعلا، وقالَ بعد اتمام السد: (هذا رحمة مِن ربّی ). وعندما اقترحوا علیه المساعدة المالیة قال: (ما مکنّی فیه ربّی خیر ). وأخیراً عندما یتحدّث عن فناء هذا السد المحکم، فإنَّهُ لا ینسى أن ینسب موعد ذلک إلى الله تعالى.

12ـ کلّ شی إلى زوال مهما کان محکماً وصلداً. هذا هو الدرس الأخیر فی هذه القصّة، وهو درس للذین یتمنّون أو یظنون خلود المال أو المنصب والجاه، إنَّ سد ذی القرنین أمر هیِّن قیاساً إلى انطفاء الشمس وفناء الجبال الراسیات، إذاً فکیف بالإنسان المعرَّض للأضرار أکثر من غیره!؟

ألا یکفی التفکیر بهذه الحقائق حافزاً على الوقوف بوجه الإستبداد؟


1. نهج البلاغة، الرسالة 53.
2. سفینة البحار، ج 2، مادة (صمم).
3. إبراهیم، 35.
4. الشّورى، 23.
کیف تمّ بناء سد ذی القرنین؟ ثانیاً: مَن هو ذو القرنین؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma