المقام المحمود ـ کما هو واضح مِن اسمه ـ لهُ معنى واسع بحیث یشمل کلّ مقام یستحق الحمد، ولکن من المسلّم بأنّ المقصود بهِ هنا، هو الإشارة إلى المقام الممتاز والخاص الذی اختص بهِ رسول الله (صلى الله علیه وآله) وبسبب عباداته اللیلیة ودعائه فی وقت السحر.
والمعروف بین المفسّرین ـ کما قلنا سابقاً ـ أنَّ هذا المقام هو مقام الشفاعة الکبرى للرّسول (صلى الله علیه وآله). وهذا التّفسیر ورد فی روایات مُتعدِّدة، ففی تفسیر العیاشی عن الإمام الصادق أو الباقر (علیهما السلام)، نقرأ فی تفسیر قوله تعالى: (عسى أن یبعثک ربّک مقاماً محمود ) أنَّه قال: «هی الشّفاعة».
وقد حاول بعض المفسّرین الوصول إلى هذه الحقیقة مِن مفهوم الآیة نفسها، فهم یعتقدون أنّ جملة (عسى أن یبعثک ) دلیل على أنَّ الله سوف یعطیک هذا المقام فی المستقبل، المقام الذی سوف یحمده الجمیع، لأنَّ فائدته سوف تنال الجمیع (لأنَّ محمود فی الجملة أعلاه جاءت مطلقة غیر مقیّدة بشرط). إضافة إلى ذلک فإنَّ الحمد فی مقابل عمل معیّن هو أمر اختیاری، والشیء الذی یحتوی على جمیع هذه الصفات لا یمکن أن یکون سوى الشفاعة الکبرى والعامّة لرسول الله (صلى الله علیه وآله) (1) .
وهناک احتمال أن یکون المقام المحمود هو أقصى القرب مِن الخالق عزَّوجلّ، والذی تکون إحدى آثاره هی الشفاعة الکبرى. (فتأمل ذلک).
وبالرغم مِن أنَّ المخاطب فی هذه الآیة ـ ظاهراً ـ هو رسول الله (صلى الله علیه وآله)، إلاَّ أنَّهُ یمکن تعمیم الحکم والقول بأنَّ جمیع الأشخاص المؤمنین الذین یقومون ببرنامج التلاوة وصلاة اللیل لهم نصیب فی هذا المقام المحمود، وسوف یقتربون مِن الساحة الإلهیّة بمقدار إیمانهم وعملهم، وبنفس المقدار سوف یقومون بالشفاعة للآخرین.
إنّنا نعلم أنَّ أىّ مؤمن وبمقدار إیمانه لهُ نصیب مِن مقام الشفاعة، إلاَّ أنَّ المصداق الأتم والأکمل لهذه الآیة هو شخص الرّسول (صلى الله علیه وآله).
1. تفسیر المیزان، ج 1، ص 178.
