بحوث

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 7
ثواب المهاجرین: سورة النّحل / الآیة 43 ـ 44

کما هو معروف فإنّ للمسلمین هجرتین، الاُولى: کانت محدودة نسبیاً (هجرة جمع من المسلمین على رأسهم جعفر بن أبی طالب إلى الحبشة)، والثّانیة: الهجرة العامة للنّبی (صلى الله علیه وآله)والمسلمین من مکّة إلى المدینة.

وظاهر الآیة یشیر إلى الهجرة الثّانیة، کما یؤیّد ذلک شأن النّزول.

وقد بحثنا أهمیّة دور الهجرة فی حیاة المسلمین فی الماضی والحاضر واستمرار هذا الأمر فی کلّ عصر وزمان بشکل مفصّل ضمن تفسیرنا للآیة 100 من سورة النساء، والآیة 75 من سورة الأنفال.

وعلى أیّة حال، فللمهاجرین مقام سام فی الإسلام، وقد اهتمّ النّبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) بهم کثیراً وکذا المسلمون من بعد، وذلک لأنّهم جعلوا حیاتهم المادیة وما یملکون فی خدمة الدعوة الإسلامیة المبارکة، ممّا حدا بالبعض أن یعرض حیاته للمخاطر، والبعض الآخر ترک کلّ أمواله (کصهیب) معتبراً نفسه رابحاً فی هذه الصفقة المبارکة.

ولو لم تکن تلک التضحیات لاُولئک المهاجرین لما سمح المحیط الفاسد فی مکّة وتحکّم الشیاطین علیها بأن یخرج صوت الإسلام لیعمّ أسماع الجمیع، وَلَکُتِمَ الصوت وقبر فی صدور المؤمنین إلى الأبد، ولکنّ المهاجرین بتحولهم المدروس الواعی وهجرتهم المبارکة لم یفتحوا مکّة فحسب، وإنّما أوصلوا صوت الإسلام إلى أسماع العالم، فأصبحت الهجرة سنّة إسلامیة تجری على مرّ التاریخ إذا ما واجهت ما یشبه ظروف مکّة قبل الهجرة.

التعبیر بـ (هاجروا فی اللّه ) من دون ذکر کلمة «سبیل» إشارة إلى ذروة الإخلاص الذی کان یحمله اُولئک المهاجرون الاُول، فهم هاجروا لله وفی سبیله وطلباً لرضاه وحمایة لدینه ودفاعاً عنه، ولیس لنجاتهم من القتل أو طلباً لمکاسب مادّیة اُخرى.

وتظهر لنا جملة (من بعدما ظلمو ) عدم ترک المیدان فوراً، بل لابدّ من الصبر والتحمّل قدر الإمکان.

أمّا عندما یصبح تحمّل العذاب من العدو باعثاً على زیادة جرأته وجسارته، وإضعاف المؤمنین... فهنا تجب الهجرة لأجل کسب القدرة اللازمة وتهیئة خنادق المواجهة المحکمة،

ویستمر بالجهاد على کافّة الأصعدة من موقع أفضل، حتى تنتهی الحال إلى نصر أهل الحق فی الساحات العسکریة والعلمیة والتبلیغیة...

أمّا قوله تعالى: (لنبوّئنّهم فی الدنیا حسنة ) «نبوئنهم» من (بوأت له مکاناً) أی هیّأته له ووضعته فیه فیشیر إلى أنّ المهاجرین فی اللّه - وإنْ کانوا ابتداءً یفتقدون إلى الإمکانیات المادیة المستلزمة للمواجهة، إلاّ أنّهم فی النهایة ـ حتى فی الجانب الدنیوی ـ منتصرون(1) .

فلماذا بعد ذلک یتحمل الإنسان ضربات الأعداء المتوالیة ویموت منها ذلیلا؟! لماذا لا یهاجر وبکلّ شجاعة لیجاهد عدوّه من موضع جدید فیأخذ منه حقّه؟!

وقد عرض هذا الموضوع بوضوح أکثر فی الآیة 100 من سورة النساء، حیث تقول: (ومَنْ یهاجر فی سبیل اللّه یجد فی الأرض مراغماً کثیراً وسعة ).

إنّ سبب انتخاب صفتین للمهاجرین «الصبر» و«التوکل» واضح، لما یواجه من ظروف صعبة ومتعبة، تحتاج الثبات والصبر على مرارة تلک الظروف فی الدرجة الاُولى، ثمّ الاعتماد الکامل على اللّه سبحانه وتعالى. وأساساً فإنّ الإنسان لو إفتقد فی الحوادث العصیبة والشدائد القاسیة، المعتمد المطمئن والسند المعنوی المحکم، فإنّ الصبر والإستقامة والثبات تکون مستحیلة.

وقال البعض: إنّ انتخاب «الصبر» هنا، لأنّ ابتداء السیر فی طریق الهجرة إلى اللّه یحتاج إلى المقاومة والثبات أمام رغبات النفس، أمّا انتخاب «التوکل» فلأجل أنّ نهایة السیر هی الإنقطاع عن کلّ شیء غیر اللّه عزَّ وجلّ والإرتباط به.

وعلى هذا، تکون الصفة الاُولى لأوّل الطریق والثانیة لآخره(2) .

وعلى أیّة حال.. فلا سبیل الى الهجرة الخارجیة دون الهجرة الباطنیة، فعلى الإنسان أنْ یقطع علائقه المادیة الباطنیة أوّلاً بهجرته نحو الفضائل الأخلاقیة، لیستطیع أنْ یهاجر ویترک دار الکفر ـ مع کل ما له فیها ـ منتقلا إلى دار الإیمان.


1. «لنبوئنهم» فی الأصل من «بوأ» بمعنى تساوی أجزاء مکان ما.. على عکس «نبوء» على وزن (مبدأ) بمعنى عدم تساوی أجزاء المکان. وعلى هذا فـ «بوّأت له مکاناً» أی ساویت له مکاناً، ثمّ بمعنى هیأته له.
2. التّفسیر الکبیر، ذیل الآیة مورد البحث.
ثواب المهاجرین: سورة النّحل / الآیة 43 ـ 44
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma