أیّها العزیز! من أجل سلوک هذا الطریق علیک فی البدایة بالتمسک بلطف الله تعالى وبالتوسل بالأذکار الواردة فی القرآن الکریم وأحادیث المعصومین(علیهم السلام) لتقترب تدریجیاً إلى الذات المقدّسة ولا سیّما أنّ هذه الأذکار تستبطن مفاهیم العبودیة والفقر فی واقع الإنسان للذات المقدّسة، وقل حینها کما قال موسى(علیه السلام):
(رَبِّ إِنِّى لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَیْر فَقِیرٌ)(1).
و کما قال أیّوب(علیه السلام):
(إذْ نـادى رَبَّهُ أَنِّى مَسَّنِىَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِینَ)(2).
وکما قال نوح(علیه السلام):
(فَدَعا رَبَّهُ أَنِّى مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ)(3).
أی مغلوب هوى النفس وأنت قادر على الانتقام من هذه النفس الأمّارة.
وکما قال یوسف(علیه السلام):
(فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالاَْرْضِ أَنْتَ وَلِیّى فِى الدُّنْیَا وَالاْخِرَةِ، تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِى بِالصَّالِحینَ)(4).
وکما قال طالوت وأصحابه:
(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَیْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْکَافِرِینَ»(5).
وکما قال أصحاب العقول واُولو الألباب:
(رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنادِیاً یُنَادِى لِلاِْیْمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّکُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَکَفِّرْ عَنَّا سَیِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الاَْبْرَارِ)(6).
فی کل واحد من هذه الأدعیة بحر من المعارف الإلهیة والأنوار الربانیة حیث تحکی عن فوارة العشق والحبّ لخالق عالم الوجود ومبدأ الکائنات، هذا العشق هو الذی یقرّب الإنسان فی کل الأوقات إلى مصدر النور والذات المقدّسة.
علیک بالاستفادة من أذکار المعصومین(علیهم السلام) وزیارة عاشوراء وزیارة آل یاسین ودعاء الصباح وکمیل والندبة وأمثالها، بل یمکنک اقتطاف عبارات کثیرة من دعاء عرفة لتدعو بها فی صلاتک ولا تنسَ صلاة اللیل وإن کانت خفیفة وبدون زوائد وتفاصیل، فانّها على أیّة حال الکیمیاء الأکبر والاکسیر الأعظم للسالک فی طریق الکمال المعنوی، وبدونها لا یصل الإنسان إلى أیّة مرتبة أو منزل إلاّ نادراً، وعلیک مد ید العون للمحتاجین وقضاء حوائجهم (عن أی نعمة أمکنک ذلک)، فانّ لذلک تأثیر عجیب على الروح ویساهم فی وصولک إلى مقامات معنویة عالیة، فلا یخلو یومک من تقدیم خدمة أو خدمات ولو بسیطة للناس.
یجب أن تحقق فی نفسک وقلبک أجواء هذه الأدعیة والمناجاة  وتمد یدک نحو مصدر الفیض ومبدأ النعمة فانّ القلب الذی یخلو من ذکره هو قلب میت لا روح فیه.
ثم تمسک بالعروة الوثقى للأطهار المعصومین (الأنبیاء والأئمّة(علیهم السلام)) ومن تابعهم فی مسیرتهم الإلهیّة، أی العلماء الکبار والسالکین طریق المعرفة بالله، وعلیک بالتفکر فی حالاتهم لیمتلىء قلبک من نور باطنهم وتشرق روحک من صفاء أرواحهم على أساس أصل المحاکات والسنخیة وتتبعهم فی حرکتهم ومسیرتهم.
وفی الواقع أنّ الاستماع إلى تاریخ الأعاظم والاهتمام بمطالعة سیرتهم بمثابة الجلوس معهم وصحبتهم فی أسفارهم، کما أنّ مطالعة سیرة الأشخاص المنبوذین وأهل الشر بمثابة الجلوس معهم ومصاحبتهم.
وأحدهما یزید فی عقل الإنسان ودینه، والآخر یورثه الظلمة والحیرة والوقوع فی منزلقات الخطیئة.
ولا أنسى أننی فی أحد أسفاری لزیارة الإمام ثامن الحجج الرضا(علیه السلام)فی مشهد وجدت فراغاً من الوقت وبدأت بمطالعة سیرة أحد العرفاء الإسلامیین المعاصرین الملیئة بالنقاط المضیئة والعبر المفیدة، فکنت أقرأ بخیال بارد وفجأة شعرت بثورة فی أعماقی لم أجد لها مثیلاً طیلة عمری.
رأیت نفسی کأننی أعیش فی عالم جدید یصطبغ کل شیء فیه  بصبغة الله، فلم اُفکر فی شیء سوى بحالة العشق إلى الله، وبمجرّد أن توجهت بالدعاء وإذا بالدموع تنهمر من عینیَّ کالسیل ولکن مع الأسف لم تستمر هذه الحالة عندی سوى عدّة أسابیع، وعندما تغیرت الظروف تبدلت معها تلک الجذبة المعنویة، ولیت أنّ تلک الحالة ثابتة حیث إنّ لحظة واحدة منها أثمن من هذا العالم بأجمعه. 

1. سورة القصص، الآیة 24.
2. سورة الأنبیاء، الآیة 83.
3. سورة القمر، الآیة 10.
4. سورة یوسف، الآیة 101.
5. سورة البقرة، الآیة 250.
6. سورة آل عمران، الآیة 193.