إنّ النقض الصریح والمکرر لحقوق الإنسان فی بلدنا وفی تاریخنا المعاصر یعدّ من أسوء الذکریات المرّة فی أذهان الناس، ففی حین أنّ المادة الاُولى من المیثاق العالمی لحقوق الإنسان توصی جمیع بلدان العالم أن یتعاملوا بینهم بروح الاُخوة والمحبّة، وتؤکد المادة الخامسة على عدم جواز التعذیب أو تنفیذ العقوبات الظالمة والسلوکیات الشائنة على خلاف الشؤون الإنسانیة، وأعلى من ذلک أنّ الحکومة الإسلامیة التی تمثّل اُطروحة علماء الدین وخاصة الإمام الخمینی(قدس سره)تهتم بهذا الأمر غایة الأهمیّة، ولکننا نعیش فی أجوائنا بحیث إنّ هذه المسألة أضحت اُلعوبة مضحکة وکل یوم نشهد حالات جدیدة من نقض حقوق الإنسان بمنتهى الصراحة.
وکنموذج لذلک ما نذکره عن کیفیة إرسال المبعدین إلى المنفى بهذه الصورة:
کان الوقت لیلاً والهواء بارداً جدّاً وقد أدلج اللیل، وکانت هناک سیارة نقل کبیرة من سیارات الجیش واقفة إلى جانب مبنى الشرطة فی«قم» بانتظاری واثنین آخرین من رفاقی، وکانوا قد وضعوا لکل واحد منّا شرطیین مسلحین، وبما أنّ قم کانت تعیش حالة من الهیاج والاضطراب فانّهم کانوا على عجلة فی اخراجنا من المدینة.
وعندما وصلنا مع ستة من أفراد الشرطة المسلحین إلى مکان (شرطة المرور بین قم وأراک) نزل ثلج کثیر ولزم أن نتوقف هناک بعض الشیء لتصل إلینا سیارات خاصة توصل کل واحد منّا إلى مقصد معین.
فطلبنا البقاء فی مکان شرطة المرور إلى أن تصل إلینا السیارات التی توصلنا إلى المقصد، ولکنّ الضابط الذی کان یبدو الانزعاج الشدید علیه قال: یجب علیکم البقاء فی هذه السیارة، حتى أنّه هددنا بسلاحه الخاص «المسدس».
ولکنّ سقف الشاحنة وجوانبها کانت مشقوقة وممزقة وکانت الریاح الباردة مع الثلوج تدخل إلى داخل الشاحنة بسرعة وفی ذلک الظلام الدامس، ولعل برودة الهواء کانت تصل إلى تحت الصفر، وکان أفراد الشرطة ینزلون على التوالی ویتوجهون إلى مبنى الشرطة لتدفئة أنفسهم، ولکننی أحسست أنّ جلوسنا فی الشاحنة یتضمن خطراً کبیراً ومن الأفضل أن ننزل ونسیر خطوات فی الصحراء وتحت الثلج لئلا یتجمد الدم فی عروقنا، ولکنّ الضابط لم یوافق على ذلک، وآخر فکرة طرأت على ذهنی هی أن أقوم بتحریک یدی ورجلی فی الشاحنة نفسها لأتمکن من المحافظة على حرارة بدنی ولئلا تنجمد أعضائی، ولا أنسى أننی کنت اُقاسی الآلام لمدّة طویلة بسبب تلک اللیلة العصیبة.
وبعد ساعة رکبنا باصاً لینقلنا إلى مدینة إصفهان، فشعرت أنّ الروح تسری فی بدنی الذی أوشک على الانجماد، واستولى الخوف على المسافرین فی الباص عندما شاهدوا الشرطیین المسلحین معی، فتعاطفوا معی وأظهروا لی المواساة بشکل کبیر، وهذه الحادثة علمتهم مسائل کثیرة.
وکان الأمر قد صدر أن نتحرک بسرعة ولا نتوقف فی المدن، وفی صورة اللزوم یمکننا التوقف فی مراکز الشرطة فی الطریق والانتقال من سیارة إلى اُخرى، فوصلنا إلى مدینة إصفهان بعد منتصف اللیل، وتمّت الموافقة على أن نرکب سیارة صغیرة ونتّجه إلى مدینة یزد، فوصلنا فی طریقنا إلى مضیق «الملا أحمد» الطویل والشدید التعرجات فی الوادی وفی أثناء ذلک نزلت الثلوج الکثیرة وکان الضباب الغلیظ مخیماً على الأجواء وقلّما نشاهد سیارة تمرّ من هذا الطریق، ولکنّهم کانوا یصرون على المضی فی هذا الطریق فوصلنا إلى مکان بحیث لم نتمکن من اجتیازه ولا العودة منه، والخلاصة نحن فی تلک اللیلة واجهنا الموت بین الثلوج والضباب الکثیف ولکنّ الله أنقذنا من هذه المهلکة ووصلنا بعد جهد جهید إلى مدینة یزد واستمرت الحرکة والسفر بدون توقف.
ثم إننا فی طریقنا بین مدینة بم «ایران شهر» ضللنا الطریق وتورطنا فی متاهة وقد احاطت بنا ظلمة اللیل ولم نشاهد أثراً لأی  کائن حی، ففکرنا ماذا نفعل؟ وفجأة رأینا ضوءاً یظهر لنا من بعید فتبیّن أنّه کان باصاً لنقل الرکاب وقد جاء فی هذا الطریق قاصداً مدینة بم، وخشینا أن لا یتوقف لنا عندما نشیر إلیه، وکان أحد الشرطیین اللذین کانا معی قد صار رفیقاً لی تدریجیاً وکنت أتحدّث معه بهدوء ومتانة، فقال: إنّ السلاح یفیدنا فی هذا الموضوع فنزل من السیارة وحمل بندقیته باتجاه الباص وسد علیه الطریق.
فذهل سائق الباص والمسافرون من هذا الحادث وتساءلوا ماذا حدث؟ وما أکثر فرحهم عندما فهموا أننا لا نروم سوى العثور على الطریق واتّضح حینئذ أننا کنّا متوجهین فی طریق زاهدان الترابی على سبیل الخطأ لا مدینة ایران شهر.
وکان السائق شاباً ساذجاً یخالف عودتنا إلى الطریق الأصلی ولکننی أصررت على العودة ولاسیّما إننا نواجه نفاد البنزین فی أثناء الطریق (والجدیر بالذکر أنّه لم تکن هناک محطة لتزوید الوقود فی الطریق الطویل وبفاصلة 350 کیلومتراً، مضافاً أننا کنّا قد سرنا فی سفرنا ثلاثین ساعة تقریباً بصورة متواصلة وبدون نوم أو استراحة فکانت أعصابنا متوترة وأجسادنا متعبة، ولکن الشرطیین أظهرا تأییدهم لاقتراحی بسبب أننی (سماحة الشیخ أکثر تجربة منّا) ولذلک عدنا إلى مدینة بم.
وبعد مسیرة 50 ساعة تقریباً وصلنا إلى میناء (چابهار) على  حدود باکستان على ساحل بحر عمان، أی أبعد نقطة فی البلاد، وکنّا فی حالة من التعب والارهاق والمرض لا مثیل لها، وکنت أتذکر طوال الطریق المیثاق العالمی لحقوق الإنسان (وکانوا قد خصصوا یوماً أو اُسبوعاً فی السنة) واتضح هناک أنّ الشرطة أیضاً کانوا یعیشون النقمة على الأوضاع ولکنّهم لم یکونوا یظهرون ذلک ولا طریق لهم إلى الاعتراف.