قلت: إنّ ماء الحنفیة مالح إلى درجة أنّه لا یصلح للغسل أیضاً، وأمّا میاه الشرب فإنّها تنقل إلى المدینة بواسطة الصهاریج أو البرامیل الصغیرة من مناطق قریبة أو بعیدة، وفی أحد الأیّام رأیت ماء الحنفیة حلواً، فقلت فی البدایة: لعلی مخطىء فی تصوری هذا، فکررت المضمضة بهذا الماء فثبت لی أنّه حلو واقعاً، فصحت بأصدقائی أن یستفیدوا من هذه الفرصة، وفوراً ملأنا عدّة آنیة بالماء کذخیرة، ولکن  لم تمض سوى ثلاث ساعات تقریباً حتى عاد الماء إلى ملوحته، فتعجبت کثیراً من ذلک.
فقال لی رجل ذو وقار یعیش إلى جوارنا: لا تتعجبوا، فحتماً جاء إلى هنا أحد المسؤولین الکبار من العاصمة، وعادة یقوم الموظفون هنا بضخ الماء الحلو من المخازن إلى الأنابیب فی المدینة لإثبات نجاح مشروع تحلیة المیاه، ولکن بمجرّد أن یعود ذلک المسؤول الکبیر وتنتهی عملیة تفقد المشروع فانّهم یقومون بإغلاق الأنابیب لمیاه التحلیة.
فقلت: إنّ هذا العمل مهما کانت فیه من المعایب والنواقص إلاّ أنّه یتضمن حسناً کبیراً، فلا یلزمکم بعد هذا شراء صحیفة کل یوم، لتتفقدوا الأخبار. فعندما تستیقظون من نومکم فی صباح کل یوم علیکم بمضمضة ماء الحنفیة، فلو کان مالحاً تماماً فستعرفون عدم مجیىء أی مسؤول إلى مدینتکم، ولکن إذا کان ماء الحنفیة حلواً فمعنى ذلک قدوم أحد المسؤولین الکبار من العاصمة حتماً، وإذا کان ماء الحنفیة نصف مالح فانّ احتمال قدوم مسؤول من الدرجة الثانیة یکون قویاً.
بعد ذلک بمدّة کتبت الصحف أنّ فی یزد شارع تمّ افتتاحه عدّة مرات، أی أنّه فی کل مرّة یأتی إلى یزد أحد المسؤولین لتفقد المدینة فانّهم یقومون بافتتاح ذلک الشارع من جدید وینصبون فی بدایة  الشارع شریطاً ملوناً لیأتی ذلک المسؤول ویفتتح الشارع بقص الشریط المذکور.
وقد قام أحد أصدقائی الروحانیین وبمساعدة الناس (وبدون تدخل الدولة) ببناء جسر فی إحدى قرى مدینة مازنداران، وعندما تمّ بناء الجسر قام المسؤولون الرسمیون بالضغط على هذا الرجل لافتتاح هذا الجسر بأنفسهم وأعلنوا بالاذاعة وأخبار الرادیو عن افتتاح هذا الجسر کجزء من مشروع کبیر للدولة فی تلک المنطقة!! لاحظوا أنّ الحالة فی کل المناطق سواء فی شمال ایران وجنوبها وشرقها وغربها هی هذه الحالة، وظاهرة النفاق والریاء تشتد فی جمیع المراکز وکافة الأجواء، فالمظاهر براقة وجمیلة، أمّا الاُسس والدعائم فمنهارة ورکیکة.
إنّ أهالی مدینة (چابهار) یمتازون بالأخلاق الحسنة والقلوب الطیبة والملیئة بالمحبّة ویتکون 80 % منهم من أهل السنّة و20 % من الشیعة ویعیشون بروابط أخویة فیما بینهم، وهم من أکثر الإیرانیین حرماناً، فی حین أنّ أهالی هذه المنطقة یقولون: إنّ الجو الحار هنا یساعد شجرة الفاکهة على أن تحمل مرّتین فی العام.
وقد شاهدت بعض البساتین فی (چابهار) ورأیت أنّ أرضها تعدّ من أخصب الأراضی الزراعیة، فهذا البستان مع کل هذه المحصولات الزراعیة المتنوعة فی فصل الحر یعتبر أفضل وثیقة حیة على إثبات  تقصیر الجهاز الحاکم ویدلّ على أنّ النظام لو اهتم بتهیئة الماء العذب واهتم بالزراعة فی هذه المنطقة فإنّه لیس فقط یتمکن من تدبیر اُمور الناس والأهالی فی هذه المنطقة بل سیتمکن من التخفیف عن کاهل الناس فی سائر المناطق الاُخرى، وسیتقدم خطوة إلى الأمام فی طریق القضاء على التبعیة إلى الأجنبی فی مجال المحصولات الزراعیة بحیث تمثل هذه المشکلة أصعب وأخطر مشکلة اقتصادیة وسیاسیة فی ایران.
ومن المسائل العجیبة هناک وعند بدایة دخولی إلى هذه المنطقة رأیت أنّه لا یوجد فی المدینة کلها سوى حمام واحد وکان ذلک الحمام معطلاً.
وضمناً علمنا أیضاً أنّ البلدیة قامت بتخصیص مساحة 20 ألف متر مربع من أفضل أراضی المدینة مجاناً لإحداث مقبرة خاصة لأفراد الفرقة الضالة «البهائیة» فی حین أنّ عدد أفراد هذه الفرقة فی (چابهار) لا یتجاور ستة عوائل فقط، ویکفیهم لدفن موتاهم عشرون متراً من هذه الأرض، ولکن فی المقابل لا نجد مقبرة واحدة للمسلمین، وفکّرت فی أنّ السکوت هنا حرام، ولذلک قمت بإرسال تلغراف إلى حاکم المدینة ورئیس البلدیة بصفتی أحد المسؤولین المذهبیین وأحد رجال الدین وسجلت فیها اعتراضی على هذه المسألة وبعض المسائل الاُخرى فی هذه المدینة (وتصورت فی نفسی أنّ مدینة (چابهار) تمثل آخر الخط حیث لا توجد مدینة أبعد منها لإرسالی ونفی هناک).
ولعلکم تتعجبون إذا علمتم أنّه بعد یومین وصلت لی رسالة جوابیة من رئیس البلدیة الذی یظهر أنّه رجل صریح وذا همّة عالیة، حیث کتب لی فی هذه الرسالة الرسمیة وبإمضائه وختم البلدیة الرسمی، ضمن ابداء شکره لهذه الانتقادات: «إنّ هذا البذل بالنسبة إلى أراضی المقبرة لم یحصل فی زمان قیامی بالتصدی للمسؤولیة، ویظهر من خلال الوثائق والمدارک أنّ الأمر قد صدر من العاصمة»، أی أننا لا نملک شیئاً تجاه هذا الأمر، ولکننا سنقوم بالعمل ببعض مقترحاتکم الاُخرى، فرأیت أنّ الماء ملوث من المنبع وجمیع مناطق البلاد لها حصة من هذا الماء الملوث. ولهذا السبب أرى بعض الأفراد الانتهازیین یستغلون الفرص ویتفقون مع المسؤولین فی تلک المناطق ویستغلون أجواء الخوف والصمت المسیطرة على المطبوعات لیتحولوا بعد فترة وجیزة إلى أثریاء من الطراز الأول یمتلکون عشرات المصانع وعشرات الآلاف من الأغنام ومساحات شاسعة من الأراضی فی شرق البلاد وغربها وشمالها وجنوبها، فیکون لهم من الثروات العظیمة بحیث لا یصل إلیهم أی اقطاعی یعیش فی زمن تسلط الاقطاعیین (یشیر بذلک إلى هزبر یزدانی أحد الأثریاء فی زمان حکومة الشاه).
أمّا من الناحیة الدینیة فانّ الناس فی مدینة (چابهار) یعیشون الحرمان المطلق (کما فی سائر المناطق الاُخرى) ولابدّ لی من الاعتراف بأننی لو لم اُجبر على المجییء إلى هنا فإننی لا اُسافر إلیها بإرادتی واختیاری، ولحسن الحظ أننی ذهبت إلى هناک ورأیت بعینی هذه المسائل وأحسست بالمسؤولیة الثقیلة على عاتقی.
وطبعاً تحرکت هناک فی مجال تدبیر اُمور المسجد والبرامج الثقافیة فیه قدر المستطاع وقمت بتأسیس مکتبة بمساعدة بعض الاخوة هناک، وکان یشترک فی بعض الجلسات الدینیة التی کنت أُقیمُها بها هناک 80 % من إخواننا أهل السنة، وکذلک کنّا نتحدّث ونتحاور مع علمائهم فی أجواء ملیئة بالتفاهم المشترک وکنّا نطرح الکثیر من الاُمور المتعلقة بالسیاسة والحکومة على بساط البحث وتتضح الکثیر من هذه المسائل بحیث لا یمکن بیانها فی هذا المختصر.
وکان أحد الأهالی یقول: یجب علینا أن نشکر الله تعالى على أن بعثوک إلى هنا، وإلاّ فأین نحن وهذه الاُمور والمسائل الدینیة.