عندما ودعت النجف الأشرف وحرم الأئمّة الأطهار(علیهم السلام)بعین باکیة وترکت العراق بکل ما یحفل به من حسنات ومشاکل وأقمت فی الحوزة العلمیة فی قم کنت اُمارس عملیة التدریس إلى جانب الاستفادة من درس الأساتیذ العظام فی هذه الحوزة، وطبعاً لم یکن تدریس العلوم الدینیة أمراً جدیداً علیَّ حیث شرعت فی ذلک منذ السادسة عشرة من عمری حینما کنت فی حوزة شیراز، وعندما أتیت إلى قم شرعت بتشکیل درس فی الحوزة أیضاً، وکذلک فی النجف أیضاً کنت اُمارس التدریس، وأعتقد أنّ التدریس واجب کتحصیل الدرس، فالإنسان حین التدریس یقف على بعض الاُمور وتنفتح له بعض المسائل المغلقة والمبهمة التی لم یکن یقف علیها أثناء تلقی الدرس، وعند التدریس یشعر الإنسان بمسؤولیة أکثر وأنّه ما لم یفهم الموضوع بصورة جیدة ودقیقة لا ینبغی له طرحه على الآخرین من موقع التدریس.
لقد ازداد رونق أبحاثی ودروسی یوماً بعد آخر بسبب معرفتی التدریجیة وزیادة تجربتی فی فن التدریس الذی یعتبر فناً ظریفاً ودقیقاً جدّاً، فعندما کنت اُدرس الرسائل والمکاسب والکفایة کنت أرى مجموعة من الطلاب الأذکیاء والمستعدین یحیطوننی ویجلسون على مقربة منّی.
وأنا بدوری اُوصی جمیع الطلاّب والفضلاء أن لا یهملوا عملیة التدریس إلى آخر عمرهم حتى لو کان ذلک لطالب واحد.
ولعل التدریس ینفع الاُستاذ أکثر من الطالب، فالتدریس یجبر الإنسان على التحقیق فی جوانب المسألة أکثر ویهتم بمعرفة غوامض المسألة، ومضافاً إلى فهم المسألة ستکون لدیه القدرة على تفهیمها، وبکلمة واحدة: إنّ العالم الذی لا یمارس التدریس فإنّه یبتلى بالنقص فی معلوماته.
لعل البدایة کانت قبل أربعین سنة حین فکرت بتدریس البحث الخارج وشرعت بتدریس الأصول، ثم البحث الخارج فی الفقه وکنت أعیش العلاقة الشدیدة بالتدریس وأشعر بلذة کبیرة من تدریس  الطلاّب وکان التعب یزول عنی تماماً وأنا الآن أشعر بهذا الشعور أیضاً.