ومضى خمسون یوماً على بقائی فی مدینة چابهار وکان الجو فی طریقه إلى القیظ وشدّة الحر بسرعة وکان العرق یتصبب من أبداننا وکنّا قلقین من حلول أشهر الصیف فی هذه المنطقة ولکن فجأة صدر  الأمر بالتحرک باتجاه (مهاباد) فی شمال غرب البلاد، وهکذا جاء معی شرطیان، أحدهما شیعی والآخر سنی، وأحدهما یمتلک بندقیة والآخر مسدساً، أحدهما کثیر الکلام والآخر ماهر فی إصابة الهدف، ومعهم مقادیر کبیرة من الذخیرة والرصاص، وقطعنا مسافة 3200 کیلومتراً فی مدّة اُسبوع تقریباً ودخلنا مهاباد فی طرق ثلجیة.
ورغم أنّ قانون النفی والإقامة الجبریة یقول: إنّ الشخص المبعد لا ینبغی أن یحاصر بأی محدودیة فیجب أن یتمتع بالحریة فی کل شیء، ولکننا وجدنا أنفسنا فی مدینة مهاباد ممنوعین من کل تحرک ولم یسمحوا لنا بالحریة خلافاً لمدینة چابهار.
إنّ تصرفات رئیس الشرطة ورئیس البلدیة الطفولیة واللامسؤولة أدّت إلى أن یتعامل الناس معنا من موقع الحذر والخوف فلا یتصلون بنا إلاّ قلیلاً حتى أنّ الکسبة یحتاطون فی بیعنا ما نحتاجه، وقد قاموا باستجواب طبیب الأسنان الذی قام بإصلاح ومعالجة أسنانی، فلا أحد یتجرأ على إجارتنا منزلاً معیناً من دون إجازة السافاک، وکان أحد رجال السافاک السریین (ولم یکن سرّیاً إلى تلک الدرجة) کان یتبعنا کظلنا، وکان الهاتف فی بیتنا خاضع لمراقبة شدیدة، وبعض المسافرین الذین یقدمون إلى مهاباد من مناطق بعیدة وقریبة لزیارتنا کانوا یأخذونهم إلى مرکز الشرطة أو السافاک لیتحققوا منهم، وبالرغم من رغبتی الشدیدة فی الاستفادة من هذه الفرصة الثمینة والاتصال  بعلماء أهل السنّة للبحث معهم فی مسائل إسلامیة مختلفة وکذلک کانوا یرغبون فی المقابل بعقد مثل هذه الجلسات، ولکن بسبب الضغوط الشدیدة التی کنّا نواجهها من قبل أجهزة النظام لم تسمح لنا الفرصة بذلک إلاّ بعد أربعین یوماً، وفی تلک الأجواء کان الخوف مستولیاً على الجمیع وکان الناس یخیم علیهم ظلال الأجهزة الأمنیة والخوف من السافاک.
ولکن أخیراً رأیت کیف أنّ الناس فی مهاباد الذین کان یخیم علیهم الخوف والرعب من السلطة، قد استیقظوا وخرجوا إلى الشوارع فی تظاهرات عظیمة ضد النظام؟ وهذه الظاهرة حصیلة تلک البرامج والجلسات، والملفت للنظر أنّ أصدقاءنا المشترکین فی التفسیر الأمثل کانوا یقدمون إلى مهاباد بالتناوب کل عشرة أیّام وکان مشروع التفسیر مستمراً وبسرعة أکبر هنا فی تلک الفترة.