کنت أعیش فی النجف الأشرف ألم الغربة والبعد عن الأهل والأقرباء والأصدقاء فی ایران وخاصة فی شیراز وقم، ولکن مجاورة الإمام علی(علیه السلام)وخاصة زیارة مسجد الکوفة وأحیاناً السفر إلى کربلاء مشیاً على الأقدام فی أیّام العطلة التی کانت ملیئة بالأجواء المعنویة والروحانیة کانت تزیل من حواسی الملل وألم الغربة... ولکننی کنت اُواجه بعض الاُمورالتی لم تسمح لی البقاء أکثر من ذلک إلى جوار الإمام علی(علیه السلام):
أولاً: الجو الحار جدّاً فی النجف فی أیّام الصیف بحیث إنّ أحد الأصدقاء صنع لنا الشای فی أحد أیّام الصیف بحرارة الشمس، وأحیاناً تصل حرارة الجو إلى درجة أننا عندما نرید تقبیل ضریح أمیرالمؤمنین(علیه السلام) نشعر بالحرارة تماماً، ولم أکن أتحمل الحرارة الکثیرة لأننی کنت اُصاب بالرعاف أحیاناً من شدّة الحر.
ثانیاً: کانت شدّة الاختلافات، التی کانت تصل أحیاناً إلى الأزقة والشوارع تؤلمنی بشدّة.
ثالثاً: والأهم من ذلک أنّ الأجواء الدینیة السائدة فی العراق کانت مؤسفة للغایة فی ذلک الزمان، وقد تلوثت النجف الأشرف ـ التی تعدّ مرکزاً کبیراً للشیعة ـ بسبب نفوذ الأجانب حیث کان الإفطار العلنی فی أیّام رمضان وترک الصلاة شائعاً بین الناس حتى أنّهم یلعبون  القمار إلى جوار الصحن الشریف للإمام علی(علیه السلام) وصحن الإمام الحسین(علیه السلام) فی المقاهی، وبدأ السفور تدریجیاً بین النسوة وشاعت المفاسد الأخلاقیة، أمّا مدینة بغداد مرکز النواب الأربعة للإمام صاحب الزمان(علیه السلام)ومدفن هؤلاء العظماء، فکانت قد غرقت بالفساد بحیث إننی ولمدّة طویلة نسبیاً عندما کنت فی العراق فکرت مرّات عدیدة بزیارة قبور هؤلاء العلماء الأربعة، کما کان الجمیع یتشرّفون بزیارتهم ولکننی کنت أمتنع عن ذلک لئلا اُواجه مظاهر السفور فی هذه المدینة وأبتلی بالتلوث بالذنب، ولهذا خرجت من العراق فی حین أننی کنت أعیش أمل البقاء فیه، وعلى أیّة حال فانّ هذه الاُمور أدّت إلى عودتی مجدداً إلى الحوزة العلمیة فی قم فی شعبان سنة 1370 هـ ق وإقامتی فی هذه المدینة.