التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة الحجر / الآیة 19 ـ 21 1ـ ما هی خزائن اللّه تعالى؟

وإتماماً لما سبق یتناول القرآن بعض آیات الخلق، ومظاهر عظمة الباری على وجه البسیطة، ویبدأ بنفس الأرض (والأرض مددناه).

«المد»، فی الأصل بمعنى: التوسعة والبسط، ومن المحتمل أن یراد به إخراج القسم الیابس من الأرض من تحت الماء، لأنّ سطح الأرض (کما هو معلوم) کان مغطىً بالمیاه بشکل کامل نتیجة للأمطار الغزیرة، واستقرت المیاه على سطح الأرض بعد أن مرّت السنین الطویلة على انقطاع الأمطار، وبشکل تدریجی ظهرت الیابسة من تحت الماء، وهو ما تسمّیه الرّوایات بـ «دحو الأرض».

ثمّ یتطرق إلى خلق الجبال بما تحمله من منافع جمّة کآیة من آیات التوحید (وألقینا فیها رواسی).

عبّر سبحانه عن خلق الجبال بالإلقاء، ولعلّ المراد بـ «إلقاء» هنا بمعنى (إیجاد) لأنّ الجبال هی الإرتفاعات الشاخصة على سطح الأرض الناشئة من برودة قشرة الأرض التدریجی، أو من المواد البرکانیة.

ومن بدیع خلق الجبال إضافةً إلى کونها أوتاداً لتثبیت الأرض وحفظها من التزلزل نتیجة الضغط الداخلی، فإنّها تقف کالدرع الحصین فی مواجهة قوّة العواصف، بل وتعمل على تنظیم حرکة الهواء وتعیین اتجاهه، ومع ذلک فهی المحل الأنسب لتخزین المیاه على صورة ثلوج وعیون.

واستعمال کلمة «رواسی» جمع (راسیة) بمعنى الثابت والراسخ، إشارة لطیفة لما ذکرناه.

فهی: ثابتة بنفسها، وسبب لثبات قشرة الأرض وثبات الحیاة الإنسانیة علیها.

ثمّ ینتقل إلى العامل الحیوی الفعّال فی وجود الحیاة البشریة والحیوانیة، ألا وهو النبات (وأنبتنا فیها من کلّ شیء موزون).

ما أجمل هذا التعبیر وأبلغه! «موزون» من مادة (وزن) (1) ، ویشیر بذلک إلى: الحساب الدقیق، النظام العجیب، والتناسق فی التقدیر فی جمیع شؤون النباتات، وکلّ أجزائها تخضع لحساب معیّن لا یقبل التخلخل من الساق، الغصن، الورقة، الوردة، الحبة وحتى الثمرة.

یتنوع على وجه البسیطة مئات الآلاف من النباتات، وکلّ تحمل خواصاً معیّنة ولها من الآثار ما یمیّزها عن غیرها، وهی بابُ لمعرفة الباریء المصوّر جلّ شأنه، وکلّ ورقة منها کتاب ینطق بمعرفة الخالق.

وقد ذهب البعض إلى أنّ المقصود هو إحداث المعادن والمناجم المختلفة فی الجبال، لأنّ کلمة «إنبات» تستعمل فی اللغة العربیة للمعادن أیضاً.

وقد وردت الإشارة فی بعض الرّوایات لهذا المعنى، ففی روایة عن الإمام الباقر (علیه السلام)عندما سئل عن تفسیر هذه الآیة أنبتنا فیها من کلّ شیء موزون، أنّه قال: «فإنّ اللّه تبارک وتعالى انبت فی الجبال الذهب والفضة والجوهر والصفر والنحاس والرصاص والکحل والزرنیغ وأشباه هذه لایباع إلاّ وزناً» (2) .

وهناک من ذهب إلى أنّ المقصود من الإنبات فی الآیة معنىً أوسع، یشمل جمیع المخلوقات على هذه الأرض، کما یشیر إلى ذلک نوح (علیه السلام) حین مخاطبته قومه (واللّه أنبتکم من الأرض نبات) (3) .

وعلیه، فلیس هناک ما یمنع من إطلاق مفهوم الإنبات فی الآیة لیشمل النبات والبشر والمعادن... الخ.

وبما أنّ وسائل وعوامل حیاة الإنسان غیر منحصرة بالنبات والمعادن فقط، ففی الآیة التالیة یشیر القرآن الکریم إلى جمیع المواهب بقوله: (وجعلنا لکم فیها معایش).

لیس لکم فقط، بل لجمیع الکائنات الحیّة حتى الخارجة عن مسؤولیتکم (ومَن لستم له برازقین).

نعم، لقد کفینا الجمیع احتیاجاتهم.

«معایش» جمع «معیشة»، وهی: الوسائل والمستلزمات التی تتطلبها حیاة الإنسان، والتی یحصل علیها بالسعی تارة، وتأتیه بنفسها تارة اُخرى.

ومع أنّ بعض المفسّرین قد حصر کلمة «معایش» بالزراعة والنبات أو الأکل والشرب فقط، ولکنّ مفهومها اللغوی أوسع من أن یخصص، ویطلق لیشمل کلّ ما یرتبط بالحیاة من وسائل العیش.

وانقسم المفسّرون فی تفسیر (مَنْ لستم له برازقین) إلى قسمین:

الأوّل: أنّ اللّه تعالى یرید أن یبیّن مواهبه ونعمه الشاملة للبشر والحیوان والکائنات الحیّة الاُخرى التی لا یملک الإنسان أمر تغذیتها ولا یستطیعه.

الثّانی: أنّ اللّه تعالى یرید تذکیر الإنسان بأنّه سبحانه هو الرازق، وقد تکفّل بإیصال رزقه إلى کلّ محتاج له سواء کان بواسطة الإنسان أو بواسطة اُخرى (4) .

ویبدو لنا أنّ التّفسیر الأوّل أکثر صواباً، ویعزز ذلک الحدیث المروی فی تفسیر علی بن إبراهیم، حیث یتناول معنى (ومَنْ لستم له برازقین) على أنّه: (لکل ضرب من الحیوان قدّرنا له مقدر) (5) .

أمّا آخر آیة من الآیات المبحوثة، فتحوی جواباً لسؤال طالما تردد على أذهان کثیر من الناس، وهو: لماذا لم تهیّأ النعم والأرزاق بما لا یحتاج إلى سعی وکدح؟! فتنطق الحکمة الإلهیّة جواباً: (وإن من شیء إلاّ عندنا خزائنه وما ننزّله إلاّ بقدر معلوم). فلیست قدرتنا محدودة حتى نخاف نفاد ما نملک، وإنّما منبع ومخزن وأصل کلّ شیء تحت أیدینا، ولیس من الصعب علینا خلق أىّ شیء وبأىّ وقت یکون، ولکنّ الحکمة إقتضت أن یکون کلّ شیء فی هذا الوجود خاضعاً لحساب دقیق، حتى الأرزاق إنّما تنزل إلیکم بقدر.

ونقرأ فی مکان آخر من القرآن: (ولو بسط اللّه الرّزق لعباده لبغوا فی الأرض ولکن ینزّل بقدر ما یشاء) (6) .

إنّ السعی والکدح فی صراع الحیاة یضفی على حرکة الإنسان، الحیویة والنشاط، وهو بقدر ما یعتبر وسیلة سلیمة ومشروعة لتشغیل العقول وتحریک الأبدان، فإنه یطرد الکسل ویمنع العجز ویحیی القلب للتحرک والتفاعل مع الآخرین.. وإذا ما جعلت الأرزاق تحت اختیار الإنسان بما یرغب هو لا حسب التقدیر الرّبانی، فهل یستطیع أحد أن یتکهن بما سیؤول إلیه مصیر البشریة؟

فیکفی لحفنة ضئیلة من العاطلین، ذوی البطون المنتفخة، وبدون أیّ وازع انضباطی، یکفیهم لأن یعیثوا فی الأرض الفساد. لماذا؟

لأنّ الناس لیسوا کالملائکة، بل هناک الأهواء التی تلعب بالقلوب والمغریات التی تُدنی إلى الإنحراف.

لقد اقتضت الحکمة الرّبانیة أن یکون الإنسان حاملا لجمیع الصفات الحسنة والسیئة، ویمتحن على هذه الأرض بما یحمل، وبماذا یعمل، وعن ماذا یتجاوز؟.. والسعی والحرکة لما هو مشروع، المجال الأمثل للإمتحان.

والفقر والغنى من البلاء الذی یدخل ضمن مخطط التمحیص والإمتحان، فکما أنّ الفقر والعوز قد یجرّان الإنسان نحو هاویة السقوط فی مهالک الانحراف، فکذلک الغنى فی کثیر من حالاته یکون منشأً للفساد والطغیان.


1. «الوزن» معرفة قدر الشیء ـ مفرادت الراغب.
2. تفسیر نور الثقلین، ج3، ص6 (یعود ضمیر «فیها» بناءاً على هذا التّفسیر إلى الجبال).
3. نوح، 17.
4. بناء على التّفسیر الأوّل یکون الإسم الموصول «مَنْ» فی (مَنْ لستم له برازقین) عطفاً على ضمیر «لکم» وبناء على التّفسیر الثّانی عطفاً على «معایش»، وبعض المفسّرین اعترض على التّفسیر الأوّل بأنّ الإسم الصریح المجرور لا یعطف على ضمیر مجرور إلاّ بإعادة ذکر حرف الجر، أیْ: دخول اللام على «مَنْ» هنا واجب، وثمة اعتراض آخر یقول: کیف یطلق الإسم الموصول «مَنْ» على غیر العاقل؟
والإعتراضان مردودان، لأنّ عدم تکرار حرف الجر جار على لسان العرب، وکذا الحال بالنسبة لاستعمال «مَنْ» لغیر العاقل. بل التّفسیر الثّانی یواجه ما لسعة المفهوم للـ «معایش»، حیث یشمل جمیع وسائل الحیاة حتى الحیوانات الداجنة وما شابهها.. وعلى هذا الأساس رجحنا التّفسیر الأوّل.
5. تفسیر نورالثّقلین، ج 3، ص 6، ح 18.
6. الشورى، 27.
سورة الحجر / الآیة 19 ـ 21 1ـ ما هی خزائن اللّه تعالى؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma