جانبٌ من حیاة محطّم الأصنام:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة هود / الآیة 69 ـ 73 سورة هود / الآیة 74 ـ 76

والآن جاء الدور للحدیث عن جانب من حیاة «إبراهیم (علیه السلام)» هذا البطل العظیم الذی حطم الأصنام، وما جرى له مع قومه، طبعاً کل ذلک مذکور بتفصیل أکثر فی سور اُخرى من القرآن غیر هذه السورة، کسورة البقرة، وآل عمران، والنساء، والأنعام، والأنبیاء، وغیرها.

وهنا تذکر الآیات قسماً من حیاته المرتبطة بقصّة «قوم لوط» وعقاب هؤلاء الجماعة الملوّثین بالآثام والعصیان، فتقول فی البدایة: (ولقد جاءت رسلنا إبراهیم بالبشرى).

وهؤلاء الرسل ـ کما سیتبیّن من خلال الآیات التالیة ـ هم الملائکة الذین اُمروا بتدمیر مدن قوم لوط، ولکنّهم قبل ذلک جاؤوا إلى إبراهیم لیسلموه بلاغاً یتضمّن بشرى سارة.

أمّا عن ماهیة هذه البشرى فهناک احتمالان، ولا مانع من الجمع بینهما.

الإحتمال الأوّل: البشرى بتولّد إسماعیل وإسحاق، لأنّ إبراهیم (علیه السلام) لم یرزق ولداً بعد عمر طویل، فی حین کان یتمنى أن یرزق ولداً أو أولاداً یحملون لواء النبوّة، فإبلاغهم له بتولد إسماعیل وإسحاق یعد بشارة عظمى.

والاحتمال الثّانی: إنّ إبراهیم کان مستاءً ممّا وجده فی قوم لوط من الفساد والعصیان، فحین أخبروه بأنّهم اُمروا بهلاکهم سُرَّ، وکان هذا الخبر بشرى له.

فحین جاءوا إبراهیم (قالوا سلام) فأجابهم أیضاً و(قال سلام) ورحّب بهم (فما لبث أن جاء بعجل حنیذ).

«العجل» فی اللغة ولد البقر و«الحنیذ» معناه المشوی، واحتمل بعضهم أنّ کل لحم مشوی لایطلق علیه أنّه حنیذ، بل هو اللحم المشویّ على الصخور إلى جنب النّار دون أن تصیبه النّار، وهکذا ینضج شیئاً فشیئاً.

ویستفاد من هذه الجملة أنّ من آداب الضیافة أن یعجّل للضیف بالطعام، خاصّة إذا کان الضیف مسافراً، فإنّه غالباً ما یکون متعباً وجائعاً وبحاجة إلى طعام، فینبغی أن یقدم له الطعام عاجلا لیخلد إلى الراحة.

وربّما یقول بعض المنتقدین: ألیس هذا العجل کثیراً على نفر معدود من الأضیاف، ولکن مع ملاحظة أنّ القرآن لم یذکر عدد هؤلاء الأضیاف أوّلا، وهناک أقوال فی عددهم، فبعض یقول: کانوا ثلاثة، وبعض یقول: أربعة، وبعض یقول: کانوا تسعة، وبعض قال: أحد عشر، ویحتمل أن یکونوا أکثر من ذلک. (1)

وثانیاً: فإنّ إبراهیم کان له أتباع وعمال وجیران، وهذا الأمر متعارف أن یصنع مثل هذا عند الضیافة ویکون فوق حاجة الأضیاف لیأکل منه الجمیع. .

ولکن حدث لإبراهیم حادث عجیب مع أضیافه عند تقدیم العجل الحنیذ لهم، فقد رآهم لا یمدّون أیدیهم إلى الطعام، وهذا العمل کان مریباً له وجدیداً علیه، فأحسّ بالإستیحاش واستغرب ذلک منهم (فلمّا رأى أیدیهم لا تصل إلیه نکرهم وأوجس منهم خیفة).

ومن السنن والعادات القدیمة التی لا تزال قائمة بین کثیر من الناس الذین لهم التزام بالتقالید الطیبة للاسلاف، هی أنّ الضیف إذا تناول من طعام صاحبه (وبما اصطلح علیه: تناول من ملحه وخبزه) فهو لا یکنّ له قصد سوء، وعلى هذا فإنّ من له قصد سوء مع أحد ـ واقعاً ـ یحاول ألاّ یأکل من طعامه «وخبزه وملحه» ومن هذا المنطلق شک إبراهیم فی نیّاتهم، وأساء الظن بهم، واحتمل أنّهم یریدون به سوءاً.

أمّا الرسل فإنّهم لمّا اطلعوا على ما فی نفس إبراهیم، بادروا لرفع ما وقع فی نفسه و(قالوا لا تخف إنّا اُرسلنا إلى قوم لوط).

وفی هذه الحال کانت امرأته «سارة» واقفة هناک فضحکت کما تقول الآیة: (وامرأته قائمة فضحکت).

هذا الضحک من سارة یحتمل أن یکون لأنّها کانت مستاءةً من قوم لوط وفجائعهم، واطلاعها على قرب نزول العذاب علیهم کان سبباً لسرورها وضحکها.

وهناک احتمال آخر وهو أنّ الضحک کان نتیجة لتعجبها أو حتى لإستیحاشها أیضاً، لأنّ الضحک لا یختص بالحوادث السارّة بل یضحک الإنسان ـ أحیاناً ـ من الإستیاء وشدة الإستیحاش، ومن أمثال العرب فی هذا الصدد «شر الشدائد ما یضحک».

أو أنّ الضحک کان لأنّ الأضیاف لم یتناولوا الطعام ولم تصل أیدیهم إلیه بالرغم من إعداده وتهیأته لهم.

ویحتمل أیضاً أنّ ضحکها لسرورها بالبشارة بالولد، وإن کان ظاهر الآیة ینفی هذا التّفسیر، لأنّ البشرى بإسحاق کانت بعد ضحکها، إلاّ أن یقال: إنّهم بشروا إبراهیم أوّلا بالولد، واحتملت سارة أن سیکون الولد منها فتعجبت، وأنّه هل یمکن لامرأة عجوز وفی هذه السن أن یکون لها ولد من زوجها؟ لذلک سألتهم بتعجب فأجابوها بالقول: نعم، وهذا الولد سیکون منک، والتأمل فی سورة الذاریات بهذا الشأن یؤکّد ذلک.

وینبغی الإلتفات هنا إلى أنّ بعض المفسّرین یصرون على أنّ «ضحکت» مشتقة من «ضَحْک» بمعنى العادة النسائیة وهی «الحیض» وقالوا:إنّ سارة بعد أن بلغت سنّ الیأس أتتها العادة فی هذه اللحظة وحاضت، والعادة الشهریة تدل على إمکان إنجاب الولد، ولذلک فحین بشرت بإسحاق أمکنها أن تصدّق ذلک تماماً... وهؤلاء المفسّرون استندوا فی قولهم إلى لغة العرب، حیث قالوا فی هذا الصدد: ضحکت الأرنب، أی حاضت.

ولکن هذا الاحتمال مستبعد من جهات مختلفة:

أوّلا: لأنّه لم یسمع أنّ هذه «المادة» استعملت فی الإنسان بمعنى الحیض فی اللغة العربیة، ولهذا فإنّ الراغب حین یذکر هذا المعنى فی مفرداته یقول بصراحة: إنّ هذا لیس تفسیر جملة فضحکت کما تصوّره بعض المفسّرین، بل معناها هو الضحک المألوف، ولکنّها حاضت وهی فی حال الضحک أیضاً، ولذلک وقع الخلط بینهما.

ثانیاً: إذا کانت هذه الجملة بمعنى حصول العادة النسائیة فلا ینبغی لسارة أن تتعجب من البشرى بالولد «إسحاق» لأنّه ـ والحال هذه ـ لا غرابة فی الإنجاب، فی حین نستفید من الجمل الاُخرى أنّها لم تتعجب من الإنجاب فحسب، بل صرخت و: (قالت یا ویلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلی شیخ).

وعلى کل حال فإنّ هذا الإحتمال فی الآیة یبدو بعیداً جدّاً.

ثمّ تضیف الآیة أنّ إسحاق سیعقبه ولد من صلبه اسمه یعقوب: (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق یعقوب).

الواقع أنّ الملائکة بشّروها بالولد وبالحفید، فالأوّل إسحاق والثّانی یعقوب، وکلاهما من أنبیاء الله.

ومع التفات «سارة» امرأة إبراهیم إلى کبر سنّها وسن زوجها فإنّها کانت آیسة من الولد بشدّة، فاستنکرت بصوت عال متعجبة من هذا الأمر و(قالت یاویلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلی شیخاً إن هذا لشیءٌ عجیب).

وکان الحق معها، لأنّه طبقاً للآیة 29 من سورة الذاریات، فإنّها کانت فی شبابها عاقراً، وحین بشرت بالولد کانَ عمرها ـ کما یقول المفسّرون وتذکره التوراة فی سفر التکوین ـ تسعین عاماً أو أکثر، أمّا زوجها إبراهیم (علیه السلام) فکان عمره مئة عام أو أکثر.

السؤال: وهنا ینقدح سؤال وهو: لم استدلّت سارة على عدم الإنجاب بکبر سنّها وکبر سنّ زوجها، فی حین أننا نعلم أنَّ النساء عادة یصبحن آیسات بعد الخمسین لإنقطاع «الحیض» أو «العادة» واحتمال الإنجاب فی هذه المرحلة بالنسبة لهنّ ضعیف، أمّا الرجال فقد أثبتت التجارب الطبیعیة أنّهم قادرون على الإنجاب لسنین أطول...؟

الجواب: والجواب على هذا السؤال واضح: فإنّ الرجال وإن کانوا قادرین على الإنجاب، ولکن یضعف احتماله کلما طعنوا فی السنّ، ولذا فطبقاً للآیة 54 من سورة الحجر نجدُ إبراهیم نفسه متعجباً من هذه البشرى لکبر سنّه، أضف إلى ذلک فإنّ سارة من الناحیة النفسیة لعلها لم تکن منفردة بهذه المشکلة (العقم) وأرادت اقحام زوجها معها.

وعلى کل حال فإنّ رسل الله ازالوا التعجب عنها فوراً وذکّروها بنعم الله «الخارقة للعادة» علیها وعلى اُسرتها ونجاتهم من الحوادث الجمّة، فالتفتوا إلیها و(قالوا أتعجبین من أمر الله رحمة الله وبرکاته علیکم أهل البیت (2) ...).

ذلک الربّ الذی نجّى إبراهیم من مخالب نمرود الظالم، ولم یصبه سوء وهم فی قلب النار، هو ذلک الرّب الذی نصر إبراهیم محطم الأصنام ـ وهو وحید ـ على جمیع الطواغیت، وأَلْهَمَهُ القدرة والإستقامة والبصیرة.

وهذه الرحمة الإلهیّة لم تکن خاصّة بذلک الیوم فحسب، بل هی مستمرة فی أهل هذا البیت، وأی برکة أعظم من وجود رسول الله محمّد (صلى الله علیه وآله) والأئمّة الطاهرین (علیهم السلام) فی هذه الاُسرة وفی هذا البیت بالذات.

واستدل بعض المفسّرین بهذه الآیة على أنّ الزوجة تعدّ من «أهل البیت» أیضاً، ولا یختص هذا العنوان بالولد والأب والأم، وهذا الاستدلال صحیح طبعاً، وحتى مع غضّ النظر عن الآیة هذه، فإنّ کلمة «أهل» من حیث المحتوى تصحّ بهذا المعنى، ولکن لا مانع أبداً أن یخرج جماعة من أهل بیت النّبوة من الناحیة المعنویة بسبب انحرافهم من أهل البیت «وسیأتی مزید من الإیضاح والشرح فی هذا الصدد إن شاء الله ذیل الآیة 33 من سورة الأحزاب».

وقالت ملائکة الله لمزید التأکید على بشارتهم وکلامهم فی شأن الله (إنّه حمید مجید).

الواقع إنّ ذکر هاتین الصفتین لله تعالى له علاقة بالجملة السابقة، لأنّ کلمة «حمید» تعنی من له أعمال ممدوحة وتستوجب الثناء والحمد، وقد جاء صفة لله لیشیر إلى نعمه الکثیرة على عباده لیُحمد علیها، وأمّا کلمة «مجید» فتطلق على من یهب النعم حتى قبل استحقاقها.

ترى هل من العجیب على ربّ له هذه الصفات أن یعطی مثل هذه النعمة العظیمة أی الابناء الصالحین لنبیّه الکریم؟!


1. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
2. إنّ جملة (رحمة الله وبرکاته علیکم أهل البیت) یمکن أنّ تکون خبریة، وهی حال، کما یمکن أن تکون بمعنى الدعاء أیضاً، ولکن الاحتمال الأوّل أقرب.
سورة هود / الآیة 69 ـ 73 سورة هود / الآیة 74 ـ 76
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma