دروس تربویة فی قصّة شعیب:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
عاقبة المفسدین فی مدین: سورة هود / الآیة 96 ـ 99

إنّ أفکار الأنبیاء والوقائع التی جرت للاقوام السابقة تستلهم منها الأجیال التی بعدها، لأنّ تجارب حیاة اُولئک الأقوام هی التی تمخضت عن عشرات السنین أو مئات السنین... ثمّ نُقلت إلینا فی عدّة صفحات من «التاریخ» وکل فرد منّا یستطیع أن یستلهم العبر فی حیاته.

قصّة هذا النّبی العظیم «شعیب» فیها دروس کثیرة، ومن هذه الدروس ما یلی:

1ـ أهمیّة المسائل الاقتصادیة

قرأنا فی هذه القصّة أنّ شعیباً دعا قومه بعد التوحید إلى الحق والعدالة فی الاُمور المالیة والتجاریة، وهذا نفسه یدل على أنّ المسائل الاقتصادیة فی المجتمع لا یمکن تجاوزها وتهمیشها. کما یدل على أنّ الأنبیاء لم یؤمروا بالمسائل الأخلاقیة فحسب، بل کانت دعوتهم تشکل «الإصلاح»... إصلاح الوضع الاجتماعی غیر الجید، وإصلاح الوضع الاقتصادی کذلک، حیث کانت هذه الاُمور من أهم الاُمور ـ عند الأنبیاء ـ بعد التوحید.

2ـ لا ینبغی التّضحیة بالأصالة من أجل التعصب

کما قرأنا فی هذه القصّة فإنّ أحد العوامل التی دعت إلى سقوط هؤلاء فی أحضان الشقاء أنّهم نسوا الحقائق لحقدهم وعدائهم الشخصی، فی حین أنّ الإنسان العاقل والواقعی ینبغی أن یتقبل الحق من کل أحد حتى ولو کان من عدوّه.

3ـ الصلاة تدعو إلى التوحید والتطهیر

لقد سأل شعیباً قومُه (أصلاتُک تأمُرک أن نترک ما یعبد آباؤنا أو أن نفعل فی أموالنا ما نشاء) وأن نترک الغش وعدم إیفاء المیزان حقّه. فلعلهم کانوا یتصورون متساءلین: إنَّ هذه الأذکار والأدعیة ما عسى أن تؤثر فی هذه الاُمور؟ على حین أنّنا نعرف أن أقوى علاقة ورابطة هی العلاقة الموجودة بین الصلاة وهذه الاُمور، فاذا کانت الصلاة بمعناها الواقعی أی مع حضور الانسان بجمیع وجوده أمام الله فإنّ هذا الحضور معراج التکامل وسلّم الصعود فی تربیة روحه ونفسه، والمطهّر لصدأ ذنوبه ورین قلبه وهذا الحضور یقوّی إرادته ویجعل عزمه راسخاً وینزع عنه غروره وکبریاءه.

4ـ النظرة الذاتیّة (الأنانیّة) رمزٌ للجمود!

لقد کان قوم شعیب ـ کما عرفنا فی الآیات السابقة ـ أفراداً أنانیین و«ذاتیین» إذ کانوا یتصورون أنفسهم ذوی فهم، وأنّ شعیباً یجهل الاُمور!! وکانوا یسخرون منه ویعدّون کلامه بلا محتوى ویرونه ضعیفاً، وهذه النظرة الضیقة والأنانیة صیّرت سماء حیاتهم مظلمة ورمت بهم إلى هاویة الهلاک.

لیس الإنسان وحده ـ بل حتى الحیوان ـ إذا کان «أنانیّاً» ذا نظرة ضیقة فإنّه سیتوقف فی الطریق!!

یقال إنّ فارساً وصل إلى نهر وأراد عبوره ولکنّه لاحظ بتعجب أنّ الفرس غیر مستعدّة أن تعبر النهر الصغیر والقلیل العمق، وکلما الحّ على الفرس لکی تعبر لم یُفلح، فمرّ به رجل حکیم، فقال له: حرّک ماء النهر لیذهب فإنّ المشکلة ستنحلّ، ففعل ذلک فعبرت الفرس النهر بکل هدوء!! فسأل الحکیم عن السرّ فی ذلک، فقال: حین کان الماء صافیاً کانت صورة الفرس فی الماء فلم یَرُق للفرس أن تطأ نفسها، وحین اختلط الماء بالطین ذهبت الصورة ونسیت الفرس صورتها فعبرت بکل بساطة!

5ـ تلازم الإیمان والعمل

لا یزال الکثیرون یتصورون أنّه یمکن للمسلم أن یکون بالعقیدة وحدها مسلماً حتى وإن یقم بأیّ عمل، وما یزال الکثیرون یریدون من الدین ألاّ یکون مانعاً لرغباتهم ومیولهم، ویریدون أن یکونوا أحراراً بوجه مطلق.

قصّة شعیب تدلنا على أنّ قومه کانوا یریدون مثل هذا المنهج، لذلک کانوا یقولون له: نحن غیر مستعدین أن نترک ما کان علیه السلف من عبادة الأصنام، ولا نفقد حریتنا فی التصرف بأموالنا ما نشاء.

لقد نسی اُولئک أنّ ثمرة شجرة الإیمان ـ أساساً ـ هی العمل، وکان نهج الأنبیاء أن یصلحوا الانحرافات العملیّة للإنسان ویسددوا خطواته، وإلاّ فإنّ شجرة بلا ثمر وورق وفائدة عملیة لا تستحق إلاّ أن تُحرق!

نحن الیوم ـ وللأسف ـ نرى بعض المسلمین قد غلب علیهم هذا الطراز من الفکر، وهو أنّ الإسلام عبارة عن عقائد جافّة لا تتعدّى حدود المسجد، فما داموا فی المسجد فهی معهم، وإذا خرجوا ودّعوها فیه!! فلا تجد أثراً لإسلامهم فی السوق أو الإدارات أو المحیط.

إنّ السیر فی کثیر من الدول الإسلامیة ـ حتى الدول التی کانت مرکزاً لإنتشار الإسلام ـ یکشف لنا هذا الواقع المریر، وهو أنّ الإسلام منحصر فی حفنة من «الاعتقادات وعدد من العبادات عدیمة الروح» لا تجد فیها أثراً عن المعرفة والعدالة الاجتماعیة والنمو الثقافی والأخلاق الإسلامیّة... .

ولکن ـ لحسن الحظ ـ نرى فی ضمن هذه الصحوة الاسلامیة ولا سیما بین الشباب تحرّک نحو الإسلام الصحیح والممازجة بین الإیمان والعمل، فلا تکاد تسمع فی هذا الوسط مثل هذا الکلام «ما علاقة الإسلام بأعمالنا؟!» أو أنّ «الإسلام مرتبط بالقلب لا بالحیاة والمعاش» وما إلى ذلک.

الأطروحة التی نسمعها من بعض المنحرفین بقولهم: نحن نستوحی عقیدتنا من الإسلام واقتصادنا من مارکس، هی شبیهة بطریقة تفکیر قوم شعیب الضالین وهی فاسدة مثلها أیضاً، ولکن هذا الإنفصال أو التفرقة بین العمل والإیمان کان موجوداً منذ القدم ولا یزال، وینبغی أن نکافح مثل هذا التفکیر!

6ـ الملکیة غیر المحدودة أساس الفساد

لقد کان قوم شعیب واقعین فی مثل هذا الخطأ حیث کانوا یتصورون أنّه من الخطأ القول بتحدید التصرف بالأموال من قِبَل مالکیها، ولذلک تعجبوا من شعیب وقالوا له: أمثلک وأنت الحلیم الرشید یمنعنا من التصرف بأموالنا ویسلب حریتنا منها، إنّ هذا الکلام سواء کان على نحو الحقیقة والواقع، أم کان على نحو الإستهزاء، یَدّل على أنّهم کانوا یرون تحدید التصرّف بالمال دلیلا على عدم العقل والداریة.

فی حین أنّهم کانوا على خطأ کبیر فی تصورهم هذا... إذ لو کان الناس أحراراً فی التصرّف بأموالهم لعمّ المجتمع الفساد والشقاء، فیجب أن تکون الاُمور المالیة تحت ضوابط صحیحة ومحسوبة کما عرضها الأنبیاء على الناس، وإلاّ فستجرّ الحریة المطلقة المجتمع نحو الانحراف والفساد.

7ـ هدف الأنبیاء هو الإصلاح

لم یکن هذا الشعار: (إنّ اُریدُ إلا الإصلاح) شعار شعیب فحسب، بل هو شعار جمیع الأنبیاء وکل القادة المخلصین، وإنّ أعمالهم وأقوالهم شواهد على هذا الهدف. فهم لم یأتوا لإشغال الناس، ولا لغفران الذنوب، ولا لبیع الجنّة، ولا لحمایة الأقویاء وتخدیر الضعفاء من الناس، بل کان هدفهم الإصلاح بالمعنى المطلق والوسیع للکلمة... الإصلاح فی الفکر، الإصلاح فی الأخلاق، الإصلاح فی النظم الثقافیة والاقتصادیة والسیاسیّة للمجتمع، والإصلاح فی جمیع أبعاد المجتمع.

وکان اعتمادهم ودعامتهم على تحقق هذا الهدف هو الله فحسب ولهذا لم یخافوا من التهدیدات والمؤامرات کما قال شعیب (وما توفیقی إلا بالله علیه توکّلت وإلیه أنیب).

عاقبة المفسدین فی مدین: سورة هود / الآیة 96 ـ 99
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma