بالنظر إلى أنّ النّور ألطف الموجودات المادیّة فی العالم، وسرعة مسیره أعلى سرعة، وبرکته من أکبر البرکات، ویمکن أن یقال أنّه أصل لکلّ المواهب والبرکات، فإنّه یتّضح إلى أی مدى یشتمل النّور على معنىً کبیر بحیث إنّ القرآن شبّه الإیمان والسیر فی طریق الله بالنّور.
والنّور أصل التجمّع بینما الظلمة عامل للتفرّق، النّور علامة الحیاة والظلمة علامة الموت.
ولهذا السبب شبّه القرآن الکریم کثیراً من الاُمور القیّمة بالنّور، ومن جملتها العمل الصالح (یوم ترى المؤمنین والمؤمنات یسعى نورهم بین أیدیهم وبأیمانهم) (1) .
وکذلک الإیمان والتوحید، قال تعالى: (الله ولی الّذین آمنوا یخرجهم من الظّلمات إلى النّور) (2) .
وقد شبّه القرآن الکریم بالنّور فی قوله تعالى: (فالذین آمنوا به وعزّروه ونصروه واتّبعوا النّور الّذی اُنزل معه اُولئک هم المفلحون) (3) .
وکذلک الدین (یریدون أن یطفئوا نور الله بأفواههم). (4)
بل أکثر من ذلک عبّر عن ذاته المقدّسة التی هی أفضل وأسمى ما فی الوجود بالنّور (الله نور السّماوات والأرض). (5)
ومع أنّ کلّ هذه الاُمور تعود إلى تلک الحقیقة، لأنّها من الله، ومن الإیمان به، فإنّها وردت بصیغة المفرد، وعلى عکس الظّلمات التی هی عامل التشتّت لذلک وردت بصیغة الجمع التی تبیّن الکثرة والتعدّد.
وبما أنّ الإیمان بالله والسیر فی طریقه باعث على الحرکة وموجباً للیقظة، وعامل للاجتماع والوحدة، ووسیلة للتقدّم والکمال، فإنّ هذا التشبیه على کلّ حال أکثر محتوىً ودلالة تربویة.
1. الحدید، 12.
2. البقرة، 257.
3. الأعراف، 157.
4. التوبة، 32.
5. النّور، 35.
