یبدو من هذه الآیات أنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) کان یوکل إبلاغ الآیات ـ نظراً للجاجة الأعداء ومخالفتهم ـ لآخر فرصة، لذا فإنّ الله سبحانه ینهى نبیّه فی أوّل آیة نبحثها عن ذلک بقوله: (فلعلّک تارک بعض ما یوحى إلیک وضائق به صدرک) لئلا یطلبوا منک معاجز مقترحة کنزول کنز من السماء، أو مجیء الملائکة لتصدیقه (أنْ یقولوا لولا أنزل علیه کنز أو جاء معه ملک).
وکما یستفاد من آیات القرآن الاُخرى کما فی سورة الإسراء الآیات 90 ـ 93 إنّ هؤلاء لا یطلبون هذه المعاجز لیصدقوا دعوى النّبی ویتبعوا الحق، بل هدفهم اللجاجة والعناد والتّحجج الواهی، فلذلک تأتی الآیة معقبة (إنّما أنت نذیر) سواءاً قبلوا دعواک أم لم یقبلوا، وسخروا منک أم لم یسخروا، فالله هو الحافظ والناظر على کل شیء (والله على کلّ شیء وکیل) أی لا تکترث بکفرهم وإیمانهم فإنّ ذلک لا یعنیک، وإنّما وظیفتک أن تبلغهم، والله سبحانه هو الذی یعرف کیف یحاسبهم، وکیف یعاملهم.
وبما أنّ الذین یتذرعون بالحجج ویشکلون على النّبی کانوا أساساً منکرین لِوحی الله، ویقولون: إنّ هذه الآیة لیست نازلة من قبل الله، وإنّ هذا الکلام افتراه محمّد ـ وحاشاه من ذلک ـ على الله کذباً، لذلک تأتی الآیة التالیة لتبیّن بصراحة تامة: (أم یقولون افتراه).
فقل لهم یا رسول الله ـ إن کانوا صادقین فی دعواهم أنّ ما تقوله لیس من الله وأنّه من صنع الإنسان ـ فلیأتوا بعشر سور مثل هذا الکلام مفتریات، ولیدعوا ـ سوى الله ـ ماشاؤوا (قل فأتوا بعشر سور مثله مفتریات وادعوا من استطعتم من دون الله إن کنتم صادقین).
أمّا إذا لم یستجیبوا لدعوتک ولا للمسلمین، ولم یلبوا طلبک على الإتیان بعشر سور مفتریات کسور القرآن، فاعلموا أنّ ذلک الضعف وعدم القدرة دلیل على أنّ هذه الآیات نزلت من خزانة علم الله، ولو کانت من صنع بشر، فهم بشرٌ أیضاً... فلماذا لا یقدرون على ذلک (فإلّم یستجیبوا لکم فاعلموا أنّما أنزل بعلم الله) واعلموا أیضاً أنّه لا معبود سوى الله، ونزول هذه الآیات دلیل على هذه الحقیقة (وأن لا إله إلاّ هو) فهل یسلم المخالفون مع هذه الحالة (فهلْ أنتم مسلمون)؟
أی بعد ما دعوناکم للإتیان بمثل هذه السور، وظهر عجزکم وعدم قدرتکم على ذلک، فهل یبقى شک فی أنّ هذه الآیات منزلة من قبل الله، ومع هذه المعجزة البینة ما زلتم منکرین، أم أنّکم تسلمون وتقرّون حقاً؟!
