الشّجرة الطیّبة والشّجرة الخبیثة:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة إبراهیم / الآیة 24 ـ 27 1ـ هل القصد من الآخرة فی الآیة هو القبر؟

هنا مشهد آخر فی تجسیم الحقّ والباطل، الکفر والإیمان، الطیّب والخبیث ضمن مثال واحد جمیل وعمیق المعنى... یُکمل البحوث السابقة فی هذا الباب.

یقول تعالى أوّلا: (ألم تر کیف ضرب الله مثلا کلمة طیّبة کشجرة طیّبة) ثمّ یشیر إلى خصائص هذه الشجرة الطیّبة فی جمیع أبعادها ضمن عبارات قصیرة.

ولکن قبل أن نستعرض هذه الخصائص یجب أن نعرف ما المقصود من «الکلمة الطیّبة»؟

قال بعض المفسّرین: إنّها کلمة التوحید (لا إله إلاّ الله).

وقال آخرون: إنّها تشیر إلى الأوامر الإلهیّة.

وقال البعض الآخر: إنّه الإیمان الذی محتواه ومفهومه (لا إله إلاّ الله).

وقال آخرون فی تفسیرها: إنّها شخص المؤمن.

وأخیراً قال بعضهم: إنّها الطریقة والبرامج العملیّة.

ولکن بالنظر إلى سعة مفهوم ومحتوى الکلمة الطیّبة نستطیع أن نقول: إنّها تشمل جمیع هذه الأقوال، لأنّ «الکلمة» فی معناها الواسع تشمل جمیع الموجودات، ولهذا السبب یقال للمخلوقات «کلمة الله».

و «الطیّب» کلّ طاهر ونظیف، فالنتیجة من هذا المثال أنّه یشمل کلّ سنّة ودستور وبرنامج وطریقة، وکلّ عمل، وکلّ إنسان... والخلاصة: کلّ موجود طاهر ونظیف وذی برکة، وجمیعها کشجرة طیّبة فیها الخصائص التالیة:

کائن یمتلک الحرکة والنمو، ولیس جامداً ولا خاملا، بل ثابت وفاعل ومبدع للآخرین ولنفسه (التعبیر بـ«الشجرة» بیان لهذه الحقیقة).

هذه الشجرة طیّبة، ولکن من أیّة جهة؟ بما أنّه لم یذکر لها قسم خاص بها، فإنّها طیّبة من کلّ جهة... منظرها، ثمارها، أزهارها، ظلالها، ونسیمها جمیعها طیب وطاهر.

لهذه الشجرة نظام دقیق، لها جذور وأغصان، وکلّ واحد له وظیفته الخاصّة، فوجود الأصل والفرع فیها دلیل على سیادة النظام الدقیق علیها.

أصلها ثابت محکم بشکل لا یمکن أن یقلعها الطوفان ولا العواصف، وباستطاعتها أن تحفظ أغصانها العالیة فی الفضاء وتحت نور الشمس، لأنّ الغصن کلّما کان عالیاً یحتاج إلى جذور قوّیة (أصلها ثابت).

إنّ أغصان هذه الشجرة الطیّبة لیست فی محیط ضیّق ولا ردیء، بل مقرّها فی عنان السّماء، وهذه الأغصان والفروع تشقّ الهواء وتصعد فیه عالیاً (وفرعها فی السّماء).

ومن الواضح أنّ الأغصان کلّما کانت عالیة وسامقة تکون بعیدة عن التلوّث والغبار وتصبح ثمارها نظیفة، وتستفید أکثر من نور الشمس والهواء الطلق، فتکون ثمارها طیّبة جدّ (1) .

هذه الشجرة کثیرة الثمر لا کالأشجار الذابلة العدیمة الثمر، ولذلک فهی کثیرة العطاء (تؤتی اُکله).

وثمارها لیست فصلیة، بل فی کلّ فصل وزمان، فإذا أردنا أن نمدّ یدنا إلى أغصانها فی أی وقت لم نرجع خائبین (کلّ حین).

إنّ إنتاجها من الثمار یکون وفق قوانین الخلقة والسنن الإلهیّة ولیس بدون حساب (بإذن ربّه).

والآن یجب أن نفتّش، أین نجد هذه الخصائص والبرکات؟

نجدها بالتأکید فی کلمة التوحید ومحتواها، وفی الإنسان الموحّد ذی المعرفة، وفی البرامج الحیّة النظیفة، وجمیعها نامیة ومتحرّکة ولها اُصول ثابتة ومحکمة وفروع کثیرة وعالیة بعیدة عن التلوّث بالأدران الجسدیّة والدنیویة، وکلّها مثمرة وفیّاضة.

وما من أحد یأتی إلیها ویمدّ یده إلى فروعها إلاّ ویستفید من ثمارها اللذیذة العطرة، وتتحقّق فیه الخصال المذکورة، فعواصف الأحداث الصعبة والمشاکل الکبیرة لا تزحزحه من مکانه، ولا یتحدد اُفق تفکیره فی هذه الدنیا الصغیرة، بل یشقّ حجب الزمان والمکان ویسیر نحو المطلق اللامتناهی.

سلوکهم وبرامجهم لیست تابعة للهوى والهوس، بل طبقاً للأوامر الإلهیّة وبإذن ربّهم، وهذا هو مصدر الحرکة والنمو فی حرکتهم.

الرجال العظام من المؤمنین هم کلمة الله الطیّبة، وحیاتهم أصل البرکة، دعوتهم توجب الحرکة، آثارهم وکلماتهم وأقوالهم وکتبهم وتلامیذهم وتاریخهم... وحتى قبورهم جمیعها ملهمة وحیّة ومُربّیة.

نعم (ویضرب الله الأمثال للناس لعلّهم یتذکرّون).

وهناک سؤال مطروح بین المفسّرین وهو: هل لوجود هذه الشجرة وصفاتها واقع خارجی؟

یعتقد البعض بوجودها وهی النخلة، ولذلک اضطروا إلى أن یفسّروا (کلّ حین) بستّة أشهر.

ولکن لا حاجة إلى الإصرار فی وجود مثل هذه الشجرة، بل هناک تشبیهات کثیرة ولیس لها وجود خارجی أصلا.

وعلى أیّة حال، فالهدف من التشبیه هو تجسیم الحقائق والمسائل العقلیّة وصبّها فی قالب الحواس، وهذه الأمثال لیس فیها أی إبهام، بل هی مقبولة ومؤثّرة وجذّابة.

وفی عین الحال هناک أشجاراً فی هذه الدنیا ثمارها لا تنقطع على طول السنة، وقد رأینا بعض الأشجار فی المناطق الحارّة وکانت مثمرة وفی نفس الوقت لها أزهار جدیدة للثمار المقبلة!

وبما أنّ أحد أفضل الطرق لتوضیح المسائل هو الاستفادة من طریق المقابلة والمقایسة، فقد جعلت النقطة المقابلة للشجرة الطیّبة، الشجرة الخبیثة (ومثل کلمة خبیثة کشجرة خبیثة إجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار).

والکلمة «الخبیثة» هی کلمة الکفر والشرک، وهی القول السیء والردیء، وهی البرنامج الضالّ والمنحرف، والناس الخبثاء، والخلاصة: هی کلّ خبیث ونجس.

ومن البدیهی أنّ مثل هذه الشجرة لیس لها أصل، ولا نمو ولا تکامل ولا ثمار ولا ظلّ ولا ثبات ولا إستقرار، بل هی قطعة خشبیّة لا تصلح إلاّ للإشتعال... بل أکثر من ذلک هی قاطعة للطریق وتزاحم السائرین وأحیاناً تؤذی الناس!

ومن الطریف أنّ القرآن الکریم فصّل الحدیث فی وصف الشجرة الطیّبة بینما إکتفى فی وصف الشجرة الخبیثة بجملة قصیرة واحدة (اجتّثت من فوق الأرض ما لها من قرار)، وهذا نوع من لطافة البیان أن یتابع الإنسان جمیع خصوصیات ذکر «المحبوب» بینما یمرّ بسرعة فی جملة واحدة بذکر «المبغوض»!

ومرّة اُخرى نجد المفسّرین اختلفوا فی تفسیر الشجرة الخبیثة، وهل لها واقع خارجی؟

قال البعض: إنّها شجرة «الحنظل» والتی لها ثمار مرّة وردیئة.

واعتقد آخرون أنّها «الکشوت» وهی نوع من الأعشاب المعقّدة التی تنبت فی الصحراء ولها أشواک قصیرة تلتفّ حولها ولیس لها جذر ولا أوراق.

وکما قلنا فی تفسیر الشجرة الطیّبة، لیس من اللازم أن یکون للشجرة الخبیثة وجود خارجی فی جمیع صفاتها، بل الهدف هو تجسیم الوجه الحقیقی لکلمة الشرک والبرامج المنحرفة والناس الخبثاء، وهؤلاء کالشجرة الخبیثة لیس لها ثمار ولا فائدة... إلاّ المتاعب والمشاکل. مضافاً إلى أنّ الأشجار والنباتات الخبیثة التی قلعتها الأعاصیر لیست قلیلة.

وبما أنّ الآیات السابقة جسّدت حال الإیمان والکفر، الطیّب والخبیث من خلال مثالین صریحین، فإنّ الآیة الأخیرة تبحث نتیجة عملهم ومصیرهم النهائی، یقول تعالى: (یثبّت الله الذین آمنوا بالقول الثابت فی الحیاة الدنیا وفی الآخرة) لأنّ إیمانهم لم یکن إیماناً سطحیاً وشخصیتهم لم تکن کاذبة ومتلوّنة، بل کانت شجرة طیّبة أصلها ثابت وفرعها فی السّماء، وبما أنّ لیس هناک من لا یحتاج إلى اللطف الإلهی، وبعبارة اُخرى: کلّ المواهب تعود لذاته المقدّسة، فالمؤمنون المخلصون الثابتون بالاستناد إلى اللطف الإلهی یستقیمون کالجبال فی مقابل أیّة حادثة. والله تعالى یحفظهم من الزلاّت التی تعتریهم فی حیاتهم، ومن الشیاطین الذین یوسوسون لهم زُخرف الحیاة لیزلّوهم عن الطریق.

وکذلک فالله تعالى یثبّتهم أمام القوى الجهنّمیة للظالمین القُساة، الذین یسعون لإخضاعهم بأنواع التهدید والوعید.

ومن الطریف أنّ هذا الحفظ والتثبّت الإلهیین یستوعبان کلّ حیاتهم فی هذه الدنیا وفی الآخرة، فهنا یثبّتون بالإیمان ویبرؤون من الذنوب، وهناک یُخلدون فی النعیم المقیم.

ثمّ یشیر إلى النقطة المقابلة لهم (ویضلّ الله الظّالمین ویفعل الله ما یشاء).

قلنا مراراً: إنّ الهدایة والضلال التی تنسب إلى الله عزّوجلّ لا تتحقّقان إلاّ بأن یرفع الإنسان القدم الأوّل لها، فالله عزّوجلّ عندما یسلب المواهب والنعم من العبد أو یمنحها له یکون ذلک بسبب إستحقاقه أو عدم إستحقاقه.

ووصف «الظالمین» بعد جملة «یضلّ الله» أفضل قرینة لهذا الموضوع، یعنی ما دام الإنسان غیر ملوّث بالظلم لا تسلب الهدایة منه، أمّا إذا تلوّث بالظلم وعمّت وجوده الذنوب، فسوف یخرج من قلبه نور الهدایة الإلهیّة، وهذه عین الإرادة الحرّة، وبالطبع إذا غیّر مسیره بسرعة فطریق النجاة مفتوح له، ولکن إذا إستحکم الذنب فإنّ طریق العودة یکون صعباً جدّاً.


1. ویظهر هذا الأمر بشکل واضح فی ثمار الأشجار، فثمار الأغصان العالیة تکون أنضج وأطیب طعماً من ثمار الأغصان الواطئة.
سورة إبراهیم / الآیة 24 ـ 27 1ـ هل القصد من الآخرة فی الآیة هو القبر؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma