الإشکال المعروف الآخر هنا هو ما أثاره بعضهم فی شأن یعقوب من سؤال وهو:
سؤال: کیف یمکن أن یکون هذا النّبی العظیم قد أحسّ بریح قمیص یوسف من مسافة قدّرها بعضهم بثمانین فرسخاً، وقال بعضهم: من مسافة عشرة أیّام، مع أنّه لم یطّلع على الحوادث القریبة منه التی مرّت على یوسف عندما اُلقی فی الجبّ فی أرض کنعان؟
والجواب على هذا السؤال ـ مع الإلتفات إلى ما ذکرناه آنفاً فی شأن علم الغیب، وحدود علم الأنبیاء والأئمّة ـ یسیر لا غبار علیه، لأنّ علمهم بالاُمور الغیبیّة یستند إلى علم الله وإرادته، وما یشاؤه الله لهم من العلم «أو عدمه» حتى ولو کان ذلک فی أقرب نقطة من نقاط العالم.
فیمکن تشبیههم من هذا الوجه بالقافلة التی تسیر فی لیل مظلم فی صحراء تغشیها الغیوم وبینا هی على هذه الحال وإذا السّماء تومض بالبرق اللامع فتضیء الصحراء إلى منتهى أطرافها، فترى القافلة باُمّ أعینها کلّ شیء أمامها، إلاّ أنّ البرق ینطفىء ثانیةً ویستوعب الظلام کلّ مکان فلا یرى أحد شیئاً.
ولعلّ الحدیث الوارد عن الإمام الصادق (علیه السلام) فی شأن علم الإمام (علیه السلام) إشارة إلى هذا المعنى، إذ جاء عنه (علیه السلام) أنّه قال: «جعل الله بینه وبین الإمام عموداً من نور، ینظر الله به إلى الإمام، وینظر الإمام به إلیه، فإذا أراد علم شیء نظر فی ذلک النّور فعرفه» (1) .
ومع الإلتفات إلى هذه الحقیقة، فلا مجال للتعجّب بأن تقتضی مشیئة الله سبحانه ـ لإبتلاء یعقوب وتمحیصه ـ أن لا یعرف یوماً شیئاً عن الحوادث فی کنعان وهی تجری قریباً منه، وأن یحسّ برائحة قمیص ولده یوسف وهو فی مصر فی یوم آخر عندما قُدّر له أن تنتهی محنته وبلواه.
1. شرح نهج البلاغة، للخوئی، ج5، ص200.
