الیأس علامة الکفر!

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة یوسف / الآیة 87 ـ 93 1ـ من الذی حمل قمیص یوسف؟

کان القحط والغلاء وشحّة الطعام یشتدّ یوماً بعد آخر فی مصر وما حولها ومنها کنعان، ومرّة اُخرى أمر یعقوب أولاده بأن یتّجهوا صوب مصر للحصول على الطعام، لکنّه هذه المرّة طلب منهم بالدرجة الاُولى أن یبحثوا عن یوسف وأخیه بنیامین، حیث قال لهم: (یابنىّ اذهبوا فتحسّسوا من یوسف وأخیه).

لکن بما أنّ أولاد یعقوب کانوا مطمئنین إلى هلاک یوسف وعدم بقاءه، تعجّبوا من توصیة أبیهم وتأکیده على ذلک، لکن یعقوب نهاهم عن الیأس والقنوط ووصّاهم بالإعتماد على الله سبحانه والإتّکال علیه بقوله: (ولا تیأسوا من روح الله) فإنّه القادر على حلّ الصعاب و(إنّه لا ییأس من روح الله إلاّ القوم الکافرون).

(تحسّس) أصله من (حس) بمعنى البحث عن الشیء المفقود بأحد الحواس، وهنا بحث بین اللغویین والمفسّرین فی الفرق بینه وبین (تجسّس) وقد نقل عن ابن عبّاس أنّ التحسّس هو البحث عن الخیر، والتجسّس هو البحث عن الشرّ، لکن ذهب آخرون إلى أنّ التحسّس هو السعی فی معرفة سیرة الأشخاص والأقوام دون التجسّس الذی هو البحث لمعرفة العیوب.

وهنا رأی ثالث فی أنّهما متّحدان فی المعنى، إلاّ أنّ ملاحظة الحدیث الوارد بقوله: «لا تجسّسوا ولا تحسّسوا» یثبت لنا أنّهما مختلفان وأنّ ما ذهب إلیه ابن عبّاس فی الفرق بینهما هو الأوفق بسیاق الآیات المذکورة، ولعلّ المقصود منهما فی هذا الحدیث الشریف: لا تبحثوا عن اُمور الناس وقضایاهم سواء کانت شرّاً أم خیراً.

قوله تعالى «روح» بمعنى الرحمة والراحة والفرج والخلاص من الشدّة.

یقول الراغب الاصفهانی فی مفرداته (الرَّوْحُ والرُّوحُ فی الأصل واحد وجعل الروح إسماً للنّفس... والرَّوح للتنفّس وقد أراح الإنسان إذا تنفّس...).

وأخیراً جمع الاُخوة متاعهم وتوجّهوا صوب مصر، وهذه هی المرّة الثّالثة التی یدخلون فیها أرض مصر، هذه الأرض التی سبّبت لهم المشاکل وجرّت علیهم الویلات.

لکن فی هذه السفرة ـ خلافاً للسفرتین السابقتین ـ کانوا یشعرون بشیء من الخجل یعذّب ضمائرهم فإنّ سمعتهم عند أهل مصر أو العزیز ملوّثة للوصمة التی لصقت بهم فی المرّة السابقة، ولعلّهم کانوا یرونهم بمثابة (مجموعة من لصوص کنعان) الذین جاؤوا للسرقة. ومن جهة اُخرى لم یحملوا معهم هذه المرّة من المتاع ما یستحقّ أن یعاوضوه بالطعام والحبوب، إضافةً إلى هذه الاُمور فإنّ فقد أخیهم بنیامین والآلام التی ألمّت بأبیهم کانت تزید من قلقهم وبتعبیر آخر فإنّ السکین قد وصلت إلى العظم ـ کما یقول المثل ـ إلاّ أنّ الذی کان یبعث فی نفوسهم الأمل ویعطیهم القدرة على تحمّل الصعاب هو وصیّة أبیهم (لا تیأسوا من روح الله).

وأخیراً استطاعوا أن یقابلوا یوسف، فخاطبوه ـ وهم فی غایة الشدّة والألم ـ بقولهم: (فلمّا دخلوا علیه قالوا یاأیّها العزیز مسّنا وأهلنا الضرّ) أی إنّ القحط والغلاء والشدّة قد ألمّت بنا وبعائلتنا ولم نحمل معنا من کنعان إلاّ متاعاً رخیصاً (وجئنا ببضاعة مزجاة) (1) لا قیمة لها ولکن ـ فی کلّ الأحوال ـ نعتمد على ما تبذل لنا من کرمک ونأمل فی معروفک (فأوف لنا الکیل) بمنّک الکریم وصدقاتک الوافرة (وتصدّق علین) ولا تطلب منّا الأجر، بل اُطلبه من الله سبحانه وتعالى حیث (إنّ الله یجزی المتصدّقین).

والطریف أنّ إخوة یوسف لم ینفذوا وصیّة أبیهم فی البحث عن إخوتهم أوّلا، بل حاولوا الحصول على الطعام، ولأجل ذلک قابلوا العزیز وطلبوا منه المؤن والحبوب، ولعلّ السبب فی ذلک ضعف أملهم فی العثور على یوسف، أو لعلّهم أرادوا أن یظهروا أنفسهم أمام العزیز والمصریین وکأنّهم اُناس جاؤوا لشراء الطعام والحبوب فقط، ثمّ یطرحون مشکلتهم أمام العزیز ویطلبون منه المساعدة، فعند ذاک یکون وقع الطلب أقوى واحتمال تنفیذه أکثر.

قال بعض المفسّرین: إنّ مقصود الإخوة من قولهم: (تصدّق علین) کان طلب الإفراج عن أخیهم لأنّهم لم یطلبوا من العزیز الطعام والحبوب مجّاناً دون عوض حتى یطلبوا منه التصدّق علیهم، فإنّهم یدفعون ثمنه.

ونقرأ فی روایات وردت فی هذا المقام، أنّ الإخوة کانوا یحملون معهم رسالة من أبیهم إلى عزیز مصر، حیث مدح یعقوب فی تلک الرسالة عزیز مصر وأکبر عدالته وصلاحه وشکره على ما بذله له ولعائلته من الطعام والحبوب، ثمّ عرّف نفسه والأنبیاء من أهل بیته وأخبره برزایاه وما تحمله من المصائب والمصاعب من فقده أعزّ أولاده وأحبّهم إلى نفسه یوسف وأخیه بنیامین، وما أصابهم من القحط والغلاء، وفی ختام الرسالة طلب من العزیز أن یمنّ علیه ویطلق سراح ولده بنیامین، وذکّره أنّ بنیامین سلیل بیت النبوّة والرسالة وأنّه لا یتلوّث بالسرقة وغیرها من الدناءات والمعاصی.

وحینما قدّم الأولاد رسالة أبیهم إلى العزیز شاهدوا أنّه فضّ الرسالة بإحترام وقبلها ووضعها على عینیه وبدأ یبکی بحیث أنّ الدموع بلّت ثیابه (2) (وهذا ما حیّر الإخوة، وبدأوا یفکّرون بعلاقة العزیز مع أبیهم بحیث جعله یبکی شوقاً وشغفاً حینما فتحها، ولعلّ فعل العزیز أثار عندهم احتمال أن یکون یوسف هو العزیز، ولعلّ هذه الرسالة أثارت عواطف العزیز وشعوره بحیث لم یطق صبراً وعجز عن أن یخفی نفسه بغطاء السلطة وأجبره على کشف نفسه لإخوته).

وفی تلک اللحظة، وبعد أن مضت أیّام الامتحان الصعب وکان قد إشتدت محنة الفراق على یوسف وظهرت علیه آثار الکآبة والهمّ، أراد أن یعرّف نفسه لإخوته فابتدرهم بقوله: (قال هل علمتم ما فعلتم بیوسف وأخیه إذ أنتم جاهلون).

لاحظوا عظمة یوسف وعلوّ نفسه حیث یسألهم أوّلا عن ذنبهم لکن بهذه الکنایة اللطیفة یقول: (ما فعلتم) وثانیاً یبیّن لهم طریقة الإعتذار وأنّ ما إرتکبوه فی حقّ اخویهم إنّما صدر عن جهلهم وغرورهم، وأنّه قد مضى أیّام الصبى والطفولة وهم الآن فی دور الکمال والعقل!

کما أنّه یفهم من الآیة الشریفة أنّ یوسف لم یکن وحده الذی ابتلی بإخوته ومعاملتهم السیّئة، بل إنّ بنیامین أیضاً کان یقاسی منهم ألوان العذاب، ولعلّه قد شرح لأخیه یوسف فی الفترة التی قضاها فی مصر، جانباً ممّا عاناه تحت أیدیهم، ویستفاد من بعض الرّوایات أنّ یوسف حینما استفسر عمّا فعلوه معه ومع أخیه ختم إستفساره بإبتسامة عریضة لیدفع عن أذهانهم احتمال أنّه سوف ینتقم منهم فظهرت لإخوته أسنانه الجمیلة ولاحظوا وتذکّروا الشبه بینه وبین أسنان أخیهم یوسف (3) .

أمّا هم، فإنّهم حینما لاحظوا هذه الاُمور مجتمعة، وشاهدوا أنّ العزیز یتحدّث معهم ویستفسرهم عمّا فعلوه بیوسف، تلک الأعمال التی لم یکن یعلمها أحد غیرهم إلاّ یوسف.

ومن جهة اُخرى أدهشهم یوسف وما أصابه من الوجد والهیاج حینما إستلم کتاب یعقوب، وأحسّوا بعلاقة وثیقة بینه وبین صاحب الرسالة.

وثالثاً: کلّما أمعنوا النظر فی وجه العزیز ودقّقوا فی ملامحه، لاحظوا الشبه الکبیر بینه وبین أخیهم یوسف... لکنّهم فی نفس الوقت لم یدر بخلدهم ولم یتصوّروا أنّه یمکن أن یکون أخوهم یوسف قد إرتقى منصب الوزارة وصار عزیزاً لمصر، أین یوسف وأین الوزارة والعزّة؟! لکنّهم تجرّأوا أخیراً وسألوه مستفسرین منه (قالوا أءنّک لأنت یوسف).

کانت هذه الدقائق أصعب اللحظات على الإخوة، حیث لم یکونوا یعرفون محتوى إجابة العزیز! وأنّه هل یرفع الستار ویظهر لهم حقیقته، أم أنّه سوف یعتقد بأنّهم مجانین حیث ظنّوا هذا الظنّ.

کانت اللحظات تمرّ بسرعة والإنتظار الطویل یثقل على قلوبهم فیزید فی قلقهم، لکن یوسف لم یدع اُخوته یطول بهم الإنتظار ورفع الحجاب بینه وبینهم وأظهر لهم حقیقة نفسه و(قال أنا یوسف وهذا أخی) لکن لکی یشکر الله سبحانه وتعالى على ما أنعمه من جمیع هذه المواهب والنعم، ولکی یعلّم إخوته درساً آخر من دروس المعرفة قال: إنّه (قد منّ الله علینا إنّه من یتّق ویصبر فإنّ الله لا یضیع أجر المحسنین).

لا یعرف أحد کیف مرّت هذه اللحظات الحسّاسة على الإخوة کما لا یعرف أحد مدى إنفعالهم وما خامرهم من السرور والفرح وکیف تعانقوا واحتضنوا أخاهم والدموع الغزیرة التی ذرفوها وذلک حینما التقوا بأخیهم وبعد عشرات السنین من الفراق، لکنّهم فی کلّ الأحوال کانوا لا یطیقون النظر إلى وجه أخیهم یوسف لعلمهم بالذنب والجریمة التی اقترفوها فی حقّه، فترقّبوا إجابة یوسف وأنّه هل یغفر لهم إساءتهم إلیه ویعفو عن جریمتهم أم لا؟ فابتدأوا مستفسرین بقولهم: (قالوا تالله لقد آثرک الله علین) (4) أی إنّ الله سبحانه وتعالى قد فضّلک علینا بالعلم والحلم والحکومة (وإن کنّا لخاطئین) (5) .

أمّا یوسف الذی کانت نفسه تأبى أن یرى إخوته فی حال الخجل والندامة ـ خاصّة فی هذه اللحظات الحسّاسة وبعد إنتصاره علیهم ـ أو لعلّه أراد أن یدفع عن أذهانهم ما قد یتبادر إلیها من احتمال أن ینتقم منهم، فخاطبهم بقوله: (قال لا تثریب علیکم الیوم) (6) أی إنّ العتاب والعقاب مرفوع عنکم الیوم، اطمئنوا وکونوا مرتاحی الضمیر ولا تجعلوا للآلام والمصائب السابقة منفذاً إلى نفوسکم، ثمّ لکی یبیّن لهم أنّه لیس وحده الذی أسقط حقّه وعفا عنهم، بل إنّ الله سبحانه وتعالى أیضاً عفا عنهم حینما أظهروا الندامة والخجل قال لهم: (یغفر الله لکم وهو أرحم الراحمین) أی إنّ الله سبحانه وتعالى قد قبل توبتکم وعفا عنکم لأنّه أرحم الراحمین.

وهذا دلیل على علو قدر یوسف وغایة فضله حیث إنّه لم یعف عن سیّئات إخوته فحسب، بل رفض حتى أن یوبّخ ویعاتب إخوته ـ فضلا عن أن یجازیهم ویعاقبهم ـ إضافةً إلى هذا فإنّه طمأنهم على أنّ الله سبحانه وتعالى رحیم غفور وأنّه تعالى سوف یعفو عن سیّئاتهم، وإستدلّ لهم على ذلک بأنّ الله سبحانه وتعالى هو أرحم الراحمین.

وهنا تذکّر الإخوة مصیبة اُخرى قد ألمّت بعائلتهم والشاهد الحی على ما إقترفوه فی حقّ أخیهم، ألا وهو أبوهم حیث فقد الشیخ الکبیر بصره حزناً وفراقاً على یوسف، أمّا یوسف فإنّه قد وجد لهذه المشکلة حلا حیث خاطبهم بقوله: (إذهبوا بقمیصی هذا فألقوه على وجه أبی یأت بصیر) ثمّ طلب منهم أن یجمعوا العائلة ویأتوا بهم جمیعاً (وأتونی بأهلکم أجمعین).


1. «البضاعة» أصلها «البضع» على وزن جزء، وهی بمعنى القطعة من اللحم المقطوعة من الجسم، کما یطلق على جزء من المال الذی یقتطع منه ثمناً لشیء «مزجاة» من «الازجاء» بمعنى الدفع، وبما أنّ الشیء التافه والقلیل الثمن یدفعه الآخذ عن نفسه، اُطلق علیه (مزجاة).
2. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
3. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث.
4. «آثرک» أصله من «الإیثار» وفی الأصل بمعنى البحث عن أثر الشیء، وبما أنّه یقال للفضل والخیر: أثر، فقد استعملت هذه الکلمة للدلالة على الفضیلة والعلو، فبناء على هذا یکون معنى قوله (آثرک الله علین) أی إنّ الله سبحانه وتعالى قد أکرمک وفضّلک علینا لما قمت به من الأعمال الخیّرة.
5. یرى الفخر الرازی فی تفسیره أنّ الفرق بین «الخاطئ» و«المخطئ» هو أنّ الخاطىء یقال لمن تعمّد الخطأ، والمخطئ لمن أخطأ عن سهو.
6. «تثریب» أصله من مادّة «ثرب» وهو شحمة رقیقة تغطّی المعدة والأمعاء، والتثریب بمعنى رفع هذا الغطاء، ثمّ بمعنى العتاب والملامة فکأنّ المعاقب قد رفع بعتابه غطاء الذنب عن وجه المذنب (راجع القاموس ومفردات الراغب وتفسیر الکبیر، وتفسیر روح المعانی).
سورة یوسف / الآیة 87 ـ 93 1ـ من الذی حمل قمیص یوسف؟
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma