مؤامرة اُخرى:

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 6
سورة یوسف / الآیة 30 ـ 34 بحوث

بالرغم من أنّ عشق امرأة العزیز ـ المذکور آنفاً ـ کان مسألة خصوصیة بحیث أکّد حتى العزیز على کتمانها، ولکن حیث إنّ هذه الأسرار لا تبقى خافیة، ولا سیّما فی قصور الملوک وأصحاب المال والقوّة ـ التی فی حیطانها آذان صاغیة ـ فسوف تتسرّب إلى خارج القصر کما یقول القرآن فی هذا الشأن: (وقال نسوة فی المدینة امرأت العزیز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبّ) ثمّ لُمْنَها وعَنَّفنها بهذه الجملة (إنّا لنراها فی ضلال مبین). وواضح أنّ المتحدّث بمثل هذا الکلام کنّ نساء أشراف مصر حیث کانت أخبار القصور المفعمة بفساد الفراعنة والمستکبرین مثیرةً لهنّ وکنّ یستقصینها دائماً.

لم یکن فساد هؤلاء النسوة بأقلّ من امرأة العزیز ولکنّ أیدیهنّ لم تصل إلى یوسف، وکما یقول المثل ـ «العین بصیرة والید قصیرة» فکنّ یرین امرأة العزیز بسبب هذا العشق فی ضلال مبین.

ویقول بعض المفسّرین: إنّ إذاعة هذا السرّ من قبل هذه المجموعة من نساء مصر، کانت خطّة لتحریک امرأة العزیز حتى تدعوهنّ إلى قصرها لتکشف لهنّ عن براءتها وتریهن یوسف وجماله!

ولعلّهنّ کنّ یتصوّرن أنّ یوسف إذا رآهنّ بهره جمالهنّ، وربّما رآهنّ أجمل من امرأة العزیز، ولأنّ یوسف کان یحترم امرأة العزیز إحترام الولد لوالدته ـ أو مربّیته ـ فهو لا یطمع فیها، ولهذا السبب یکون احتمال نفوذهنّ إلى قلبه أقوى من نفوذ امرأة العزیز إلیه!.

«الشغف» من مادّة «الشغاف» ومعناه أعلى القلب أو الغشاء الرقیق المحیط بالقلب، وشغفها حبّاً معناه أنّها تعلّقت به إلى درجة بحیث نفذ حبّه إلى قلبها وإستقرّ فی أعماقه.

وهذا التعبیر إشارة إلى العشق الشدید والملتهب.

یذکر «الآلوسی» فی تفسیره «روح المعانی» نقلا عن کتاب أسرار البلاغة مراتب الحبّ والعشق ونشیر هنا إلى قسم منها:

فأوّل مراحل الحبّ «الهوى» ومعناه المیل، ثمّ «العلاقة» وهی المحبّة الملازمة للقلب، وبعدها «الکلف» وهو الحبّ الشدید، ثمّ «العشق» وبعده «الشعف» بالعین المهملة أی الحالة التی یحترق القلب فیها من الحبّ ویحسّ باللّذة من هذه الحالة... وبعدها «اللوعة» ثمّ «الشغف» وهو المرحلة التی ینفذ العشق فیها إلى جمیع زوایا القلب، ثمّ «الوله» وهو المرحلة التی تخطف عقل الإنسان من العشق، وآخر المراحل «الهیام» وهو المرحلة التی تذهل العاشق وتجرّه إلى کلّ جهة دون اختیاره (1) .

هناک مسألة جدیرة بالإلتفات وهی: من الذی أذاع هذا السرّ؟ هل کان من امرأة العزیز التی لم ترغب فی هذه الفضیحة أبداً! أو من قبل العزیز نفسه! وکان یؤکّد على کتمان السرّ، أو القاضی الحکیم الذی حکم فی الأمر، ویُستبعد منه هذا العمل؟!

وعلى کلّ حال فإنّ مثل هذه المسائل فی هذه القصور المفعمة بالفساد لا تبقى طیّ الکتمان، وأخیراً فإنّها تنتقل على ألسنة الذین یظهرون الحرص على شرف القصر وتنتشر، ومن الطبیعی أن یضیف علیها آخرون أوراقاً وأغصاناً.

أمّا امرأة العزیز فقد وصلها ما دار بین النسوة من إفتضاحها (فلمّا سمعت بمکرهنّ أرسلت إلیهنّ واعتدت لهنّ متکئاً وأتت کلّ واحدة منهنّ سکّین) (2) .

هذا العمل دلیل على أنّ امرأة العزیز لم تکن تکترث بزوجها، ولم تأخذ الدرس من فضیحتها، ثمّ أمرت یوسف أن یتخطّى فی المجلس (وقالت اُخرج علیهن) وتعبیر (اُخرج علیهن) بدلا من «اُدخل» یشیر إلى أنّها کانت أخفت یوسف داخل البیت، أو جعلته مشغولا فی إحدى الغرف التی یوضع فیها الغذاء عادةً حتى یکون دخوله إلى المجلس مفاجأة للجمیع.

نساء مصر ـ وطبقاً لبعض الرّوایات التی تقول: کنّ عشراً... أو أکثر ـ فوجئن بظهور یوسف کأنّه البدر أو الشمس الطالعة، فتحیّرن من جماله (فلمّا رأینه أکبرنه) وفقدن أنفسهنّ (وقطّعن أیدیهن) مکان الفاکهة، وحین وجدن الحیاء والعفّة تشرقان من عینیه وقد احمّر وجهه خجلا صحن جمیعاً و(قلن حاش لله ما هذا بشراً إن هذا إلاّ ملک کریم) (3) .

وهناک أقوال بین المفسّرین فی أنّ النسوة إلى أی حدّ قطّعن أیدیهن؟ فمنهم من بالغ فی الأمر، ولکن کما یستفاد من القرآن على نحو الإجمال أنّهن جرحن أیدیهنّ.

وفی هذه الحال التی کانت الدماء تسیل من أیدی النسوة وقد لاحظن ملامح یوسف کلّها وصرن أمامه «کالخُشُبِ المسنَّدة» کشفن عن أنّهن لسن بأقل من امرأة العزیز عشقاً لیوسف، فاستغلّت امرأة العزیز هذه الفرصة ف(قالت فذلکن الّذی لمتنّنی فیه).

فکأنّ امرأة العزیز أرادت أن تقول لهنّ: لقد رأیتن یوسف مرّة واحدة فحدث لکنّ ما حدث وفقدتُنّ صوابکن وقطعتن أیدیکن من جماله وعشقه، فکیف اُلام وأنا أراه وأسکن معه لیل نهار؟!

وهکذا أحسّت امرأة العزیز بالغرور لأنّها وُفّقت فی ما ألقته من فکرة وأعطت لنفسها العذر، وإعترفت بکلّ صراحة بکلّ ما فعلت وقالت: (ولقد راودته عن نفسه فاستعصم).

وبدلا من أن تظهر الندم على کلامها أو تتحفّظ على الأقل أمام ضیوفها، أردفت القول بکلّ جدّ یحکی عن إرادتها القطعیّة: (ولئن لم یفعل ما آمره لیسجننّ)... ولا أکتفی بسجنه، بل (ولیکوناً من الصاغرین).

ومن الطبیعی أنّه إذا اکتفى عزیز مصر إزاء خیانة امرأته بالقول: (استغفری لذنبک)فینبغی أن تجرّ امرأته الفضیحة إلى هذه المرحلة... وأساساً فإنّ مثل هذه الاُمور والمسائل فی قصور الفراعنة والملوک لیست اُموراً مهمّة.

ینقل البعض روایات عجیبة مؤدّاها أنّ بعضاً من نسوة مصر أعطین الحقّ لامرأة العزیز ودرن حول یوسف لیرغبّنه بأن یستسلم لحبّها وکلّ واحدة تکلّمت بکلام! (4)

فقالت واحدة: أیّها الشاب ما هذا الصبر والدلال، ولِمَ لا ترحم هذه العاشقة الواهبة قلبها لک، ألا ترى هذا الجمال الآسر؟ ألیس عندک قلب؟! ألست شابّاً؟ ألا تستلذّ بالعشق والجمال، فهل أنت حجارة أو خشب؟!

وقالت الثّانیة: إذا کنت لا تعرف عن الجمال والعشق شیئاً... لکن ألا تدری أنّ امرأة العزیز ذات نفوذ وقدرة... ألا تفکّر أن لو ملکت قلبها فستنال کلّ شیء وتبلغ أیّ مقام شئت...

وقالت الثّالثة: إذا کنت لا ترغب فی جمالها المثیر ولا تحتاج إلى مقامها ومالها، ولکن ألا تعرف أنّها ستنتقم لنفسها بما اُوتیت من وسائل الإنتقام الخطرة، ألا تخاف من السجن ووحشته ومن الغربة المضاعفة فیه؟!

تهدید امرأة العزیز من جانبها بالسجن والإذلال من جهة، ووساوس النسوة الملوّثات اللائی خطّطن لیوسف کما یخطّط الدلاّل من جهة اُخرى، أوقعا یوسف فی أزمة شدیدة، وأحاط به طوفان المشاکل، ولکن حیث إنّ یوسف کان قد صنع نفسه، وقد أوجد نور الإیمان والعفّة والتقوى فی قلبه هدوءاً وسکینة خاصّة، فقد صمّم بعزم وشجاعة والتفت نحو السّماء لیناجی ربّه وهو فی هذه الشدّة (قال ربّ السّجن أحبّ إلیّ ممّا یدعوننی إلیه).

وحیث کان یدری أن لا مهرب له إلاّ إلى الله فی جمیع الأحوال ولا سیما فی الساعات الحرجة، فقد أودع نفسه عند الله بهذا الکلام (وإلاّ تصرّف عنّی کیدهن أصبُ إلیهنّ وأکن من الجاهلین).

ربّاه... إنّنی أتقبّل السجن الموحش رعایة لأمرک وحفظاً لطهارة نفسی... هذا السجن تتحرّر فیه روحی وتطهّر نفسی، وأنا أرفض هذه الحریّة الظاهریة التی تأسر روحی فی سجن «الشهوة» وتلوّث نفسی.

ربّاه... أعِنّی، وهب لی القوّة، وزدنی قدرةً وعقلا وإیماناً وتقوى، حتى أنتصر على هذه الوساوس!

وحیث إنّ وعد الله حقّ، وأنّه یُعین المجاهد (لنفسه أو لعدوّه) فإنّه لم یترک یوسف سُدىً وتلقفته رحمته ولطفه کما یقول القرآن الکریم: (فاستجاب له ربّه فصرف عنه کیدهن إنّه هو السمیع العلیم).

فهو یسمع نجوى عبیده، وهو مطلع على أسرارهم، ویعرف طریق الحلّ لهم.


1. تفسیر روح المعانی ج 12، ص 203.
2. «المتّکأ» ما یتکأ علیه کالکراسی والأسرة، وما یوضع خلف الظهر کما هو معروف فی القصور، ولکن البعض قال: إنّ المتّکأ هو نوع من الفواکه المعروفة «بالاُترنج» والذین فسّروا المتّکأ بالمعنى المتقدّم قالوا أیضاً: إنّها فاکهة «الأترنج» وهی فاکهة من فصائل الحمضیات لها قشر ضخم یستعمل فی المربیات، وهذه الفاکهة فی مصر خفیفة الحموضة وتؤکل!
3. «حاش لله» من مادّة «حشى» معناها الطرف أو الناحیة... والتحاشی الإبتعاد ومفهوم جملة «حاش لله» أی إنّ الله منزّه، وهی إشارة إلى أنّ یوسف عبد منزّه وطاهر.
4. تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث; بحارالانوار، ج 12، ص 276.
سورة یوسف / الآیة 30 ـ 34 بحوث
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma