کثرة اللوم والتقریع

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
الحزن والهم القاتل والحسرة اللامتناهیة تمهید

نواجه فی الآیة الرابعة صورة جدیدة للإهانة والاحتقار التی یلقاها أصحاب النّار وهذا کما قلن ـ نوع من العذاب النفسی الألیم ، وتقول الآیة المبارکة : (رَبَّنَا اَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَاِنَّا ظَالِمُونَ ) ، فیقال لهم من قبل الله تعالى : (قَالَ اَخسَئُوا فِیهَا وَلاَتُکَلِّمُونَ ) .

وقد صَرّح جمیع أصحاب اللغة والمفسرون بأنّ کلمة «اخسأ» تعبیر یُستخدم لطرد الکلب وإن استخدامه هنا فیه دلالة على احتقار هؤلاء الظلمة والمستکبرین .

ولعل کلمة «لاتکلّمون» أکثر منها مرارة واستهانة ، فالمولى الکریم الرحیم یطرد عبده ویقول له لا تکلّمنی أبد ، وهذا هو نفس المعنى الذی أشارت إلیه العبارة الواردة فی دعاء کمیل : «فهبنی یاإلهی وسیّدی ومولای صبرت على عذابک فکیف أصبر على فراقک» .

ولکن لماذا یواجه هؤلاء مثل هذا العذاب النفسی القاتل ؟ تزیح الآیات التالیة الستار عن هذه القضّیة فتقول : (اِنَّهُ کَانَ فَرِیقٌ مِّن عِبَادِى یَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارحَمْنَا وَاَنتَ خَیْرُ الرَّاحِمِینَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِیّاً حَتَّى اَنْسَوْکُمْ ذِکرِى وَکُنْتُمْ مِّنهُمْ تَضْحَکُونَ ).(المؤمنون / 109 ـ 110)

فکانت نتیجة ذلک الاستهزاء والضحک على المؤمنین أن أصبحتم الیوم عرضة للاستهزاء والاحتقار ، وهذا فی الحقیقة تجسید لأعمالکم !

ونرى فی الآیة الخامسة مشهداً آخر یصور اللوم والتعنیف والاحتقار لأصحاب النّار من قبل خزنتها وملائکة العذاب، فتقول : (وَقَالَ الَّذِینَ فِى النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّکُمْ یُخَفِّفْ عَنَّا یَوماً مِّنَ العَذَابِ * قَالُوا اَوَلَمْ تَکُ تَأْتِیکُمْ رُسُلُکُمْ بِالبَیِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الکَافِریِنَ اِلاَّ فِى ضَلال ) .

فهذه التعابیر تبدو وکأنّها سیاط تلهب أرواحهم وتعذّبهم ، فطلبوا یوماً واحداً للراحة من ذلک العذاب إلاّ أنّ طلبهم رُفض ، فطلبوا من خزنة النّار أن یدعوا لهم ، لکن هؤلاء قالوا لهم : أنتم ادعوا بأنفسکم ، إلاّ أنّ هذا الکلامُ یعتبر إهانة لهم بسبب عدم أهلیّتهم للدعاء أو أنّ دعاءهم یجب أن یکون مسبوقاً بإذن من الله وهو جلّت قدرته ـ لا یسمح لهم ولا یأذن بمثل هذا الدعاء ، أو أنّه دعاء غیرُ مستجاب فهو إذن عبث لا أکثر ، ولذا فهم ینزعجون حتّى من الدعاء لهم ویقولون أنتم ادعوا ربّکم (واعلموا أنّه غیر مستجاب لکم) وهذا أیضاً تعبیر مؤلم آخر .

وتعکس الآیة السادسة جانباً آخر من العذاب الروحی لأصحاب النّار فتقول : (اِذَا رَأَتْهُمْ مِّن مَّکَان بَعِید سَمِعُوا لَهَا تَغَیُّظاً وَزَفِیراً ) .

تُصور هذه الآیة هنا جهنّم وکأنّها تمتلک جمیع صفات الحیوان المفترس فحین رؤیته لفریسته تنطلق منه أصوات مرعبة تنمُ عن الغضب مصحوبة بالتنفّس الشدید ، وهذا العمل کفیل بإدخال الرعب فی قلبه ومن ثم القضاء علیه.

و«التغیظ»: مأخوذ من المصدر (غیظ) ، وهو کما قال الراغب: یعنی شدّة الغضب ، والتغیّظ بمعنى اظهاره ، ومع أنّ حالة الغضب لا تسمع ولکن ترافقها أصوات دالة علیها قابلة للاستماع کالأصوات المرعبة .

وتعنی کلمة «الزفیر» صعود ونزول النفس فی الرئة بحیث یرتفع الصدر إلى الأعلى وغالباً ما یصحبه صوت رهیب یمکن سماعه .

أمّا المفسرون الذین لا یمکنهم التصدیق بأنّ جهنّم موجود حی یرى ویدرک ویعرف المجرمین ، فقد اضطروا إلى القول: إنّ هناک شیئاً مقدراً، فقالو : المقصود هو رؤیة خزنة النّار بینما نعلم أنّ التقدیر خلاف القاعدة ولا حاجة له هن ، فما المانع أن یکون لجهنّم والجنّة روح وأنّهما تدرکان الحوادث التی تقع فیهم ؟ حتّى أنّ بعض الروایات ذکرت «یخرج عنق من النّار له عینان تبصران ولسان ینطق فیقول وکّلت بکل من جعل مع الله إلها آخر فهو أبصر بهم من الطیر بحب السمسم فیلتقطه » (1) .

ونحن نرى أمثلة مصغرة لهذه المسألة فی الدنیا منها مایتمثّل فی وضع العیون والآذان الالکترونیة المرتبطة بأجهزة (الکامبیوتر) فی البنایات المختلفة ، فتقوم تلک الأجهزة بمشاهدة وسماع الکثیر من الأشیاء والحوادث وتبدی ازاءها رد الفعل المناسب رغم أنّ البنایة لا تدرک شیئ ، ولعل رد فعل جهنّم ازاء المجرمین هو من هذا الطراز أو من طراز أرفع ، أی یکون مصحوباً بالإدراک .

ونرى فی الآیة السابعة صورة اُخرى من الآلام النفسیة لأصحاب جهنّم فهی تخاطب المؤمنین بقوله : (یَاأَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا قُوا اَنفُسَکُم وَاَهْلِیکُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ ) .

یتبیّن من هذا التعبیر أنّ نار الآخرة تختلف کثیراً عن نار الدین ، سواء کان المقصود من «الحجارة» الأصنام الحجریة أو ماهو أشمل من ذلک ، وسواءً کان المقصود هو النّار التی تخرج من داخل ذرّات تلک الأحجار أم کان المقصود شیئاً آخر ، فکل ماهو موجود نار ینبثق بعضها من داخل ذات الإنسان ; من معتقداته ونوایاه الباطنیة القبیحة وجوارحه الملوّثة بالذنوب ، أو الأحجار التی کانت آلهة له أو من وسائل المفاخرة والتباهی کالقصور وما شابه ذلک .

ثم تضیف الآیة الشریفة :(عَلَیهَا مَلاَئِکَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ یَعْصُونَ اللهَ مَاأَمَرَهُمْ وَیَفعَلُونَ مَایُؤْمَرُونَ ) .

فوجود مثل هؤلاء الملائکة القساة الأشداء یضاعف الآلام النفسیة لأصحاب جهنّم ، ویسدّ علیهم کل منافذ الحیاة .

فقد کان هؤلاء فی حیاتهم الدنیا یعاملون من هم تحت سلطانهم بکل قسوة ، وکان عمّالهم الجناة یعاملون الناس بغلظة وشدّة وبلا أیّة رحمة أو شفقة ، فوقعوا الیوم ضحیة لمثل ذلک السلوک .

وممّا یلفت الانتباه هو أنّ الآیة التالیة لها تخاطب الکفّار قائلة : (لاَ تَعْتَذِرُوا الْیَوْمَ اِنَّمَا تُجْزَونَ مَا کُنتُمْ تَعمَلُون ) . (التحریم / 7)

قال بعض المفسرین الذین لا یسعهم تصّور اندلاع النّار من داخل الأحجار: إنّ المقصود من الأحجار تلک الأحجار الکبریتیة التی ینبعث منها الشرر أثناء ارتطامها بالحدید ، بینما نعلم الیوم بأنّ الطاقة الذریّة الکامنة فی کل کائن مادّی بإمکانها بعث مقادیر عظیمة من النّار .

«الغلاظ»: جمع (غلیظ) ، و(الشداد) جمع (شدید) وکلاهما لمعنى واحد ، وقد یکون ذکرهما سویة من باب التأکید ، لکن البعض یقول إنّ «الغلاظ» تعنی الخشونة فی القول و «الشداد» تعنی الخشونة فی الفعل، أو تعنی الأولى الخشونة الخُلُقیة والثانیة الخشونة الخَلقیة ، وعلى کل حال فهولاء الملائکة ملزمون بحکم الله لا یعصون له أمر .

وقالوا أحیاناً: إن وضع الإنسان بمنزلة الحطب إلى جانب الأحجار یُعتبر بحد ذاته استهانة بهم وعقوبة روحیة ومعنویة (2) .

وتمر علینا فی الآیة الثامنة والأخیرة محاورة مذهلة بین أصحاب الجنّة وأصحاب النّار تکون سبباً لإیذاء أصحاب النّار : (وَنَادَى اَصْحَابُ الجَنَّةِ اَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّکُمْ حَقّاً ) .

فأجابوا وقد استحوذ علیهم الحیاء والانکسار :(قَالُوا نَعَم ) وفی هذه الأثناء : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَینَهُمْ أَن لَّعنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِینَ ) .

فیغدو هذا الحدیث کالملح على جراحات أصحاب النّار فیلهب نفوسهم بمشاعل من النّار .

نعم إنَّهم کانوا قوماً یصدّون الناس عن سبیل الله (کما تصرح بذلک الآیة اللاحقة) ولهذا فهم الیوم یُبعدون عن رحمة الله (لأنّ اللعنة تعنی الطرد من الرحمة الإلهیّة ).

ولکن من هو هذا المؤذّن الذی یمتلک هذه السیطرة على الجنّة والنّار فیسمع الکل نداءه ویتحدث عن الله ؟ ورد فی الکثیر من الروایات المنقولة عن الشیعة والسُنّة أنّه أمیرالمؤمنین (علیه السلام) الذی کان یجاهد الظلمة طوال حیاته .

والعجب أنّ بعض المتعصّبین حاول التقلیل من أهمّیة هذه الفضیلة ، فقال : «ولا یفهم من هذا العمل أنّه فضیلة لعلی (علیه السلام)» .

بینما تقضی البداهة بأنّ هذا المؤذّن المهیمن على الجنّة والنّار المبلغ نداء الله فی ذلک الیوم ، ینبغی أن یکون له مقام سام ورفیع .

والخلاصة هی أنّ الإنسان یتکون من جسم وروح ، والمعاد أیضاً یتحقق بهذین البُعدین وهذا مایستلزم الثنائیة أیضاً فی العقاب والثواب، وبناءً على ماذکرنا فأهل النّار لا یتألّمون من العذاب الجسمانی فقط ، بل یعانون کذلک من العذاب النفسی والروحی وهو أشد وطأة علیهم ، فهم یعیشون فی ألم وهمّ وحزن غیر متناه ، وتلازمهم الفضیحة والندامة على ما مضى ، ولو قارنوا أنفسهم بأهل الجنّة لکانت المعاناة أشدّ، لاسیّما بوجود الملائکة الغلاظ وما یواجهونه من أنواع الاستهانة والتوبیخ والاحتقار ، وهذه کلها من العوامل التی تؤذیهم نفسیاً وتجعلهم یعیشون فی عذاب مریر .

ومن المؤکد أنّ هذه العقوبات تنسجم مع عملهم فی هذه الدنیا حین کانوا یعاملون المظلومین بأنواع العذاب والعقاب وکانوا کثیراً ما یستهزئون بآیات الله ویسخرون من عباده ویستخفّون بالمؤمنین ویتفاخرون على الآخرین .

فهل هنالک عجب لو تمثلت لهم أعمالهم أمام أعینهم ووقعوا فی مغبّة نتائجها، لیحصدوا فی الآخرة کل ما زرعوه فی مزرعة الدنیا؟


1. تفسیر القرطبی ; و تفسیر روح المعانی، فی ذیل الآیة مورد البحث .
2. تفسیر فی ظلال القرآن، ج 8 ، ص 168 .

 

الحزن والهم القاتل والحسرة اللامتناهیة تمهید
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma