الإشکال الأول الذی یرد على مسألة رؤیة وحضور الأعمال کما یتضح من بعض کلمات المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان ـ هو أنّ العمل من جنس «العرض» لا «الجوهر» فلا یحمل خواص المادة ولا هو مادة بنفسه لذا فهو ینعدم بعد حدوثه .
والإشکال الثانی : هو أنّ العمل یمحى ویزول بعد وجوده، لذا فإنّنا لا نجد آثاراً من أحادیثنا وأفعالنا الماضیة إلاّ ما أحدثت تغییراً فی بعض المواد الموجودة کتحول الحصى والخشب والجص إلى بیت معین، وهذا لیس بتجسم وإنّما هو تحّول ناشیء من العمل (تأمل).
ولکن إذا أخذنا النکتتین أدناه بنظر الاعتبار فسوف تتضح الإجابة عن الشبهتین السالفتین وکذلک تتضح مسألة تجسم الأعمال :
النکتة الاُولى : لقد ثبت الیوم أنّ المادة لا تفنى، وحتى الأعمال فانّها تتحول إلى صور مختلفة .
فإن تحدّثنا فستنتقل أصواتنا على شکل أمواج صوتیة إلى الفضاء المحیط بنا وتصطدم بالأجسام التی تعترضها من جدران وأبنیة وأجسام اُخرى وتتحول إلى طاقة اُخرى، ومن الممکن أن یتغیر شکل هذه الطاقة مرّات عدیدة ولکنها لن تفنى، وما حرکات أیدینا وأرجلنا إلاّ نوعٌ من الطاقة وهذه الطاقة (المیکانیکیة) لا تفنى أبداً وإنّما تتحول إلى طاقة حراریة أو طاقة اُخرى .
والخلاصة : لیست المادة لا تفنى فقط بل وحتى طاقتها ثابتة ولا تفنى أیضاً بل تتحول من شکل إلى آخر .
النکتة الثانیة : وقد تمّ إثباتها بشکل قاطع من خلال بحوث العلماء وتجاربهم وهی : إنّ هناک علاقة قریبة بین المادة والطاقة، أی أنّ المادة والطاقة مظهران لحقیقة واحدة، فالمادة عبارة عن طاقة مخزونة أمّا الطاقة فهی مادة غیر مخزونة (حرة) ، لذا یمکن أن تتحول أحداهما إلى الاُخرى تحت شروط معینة، فالطاقة الذریة هی تحول المادة إلى طاقة ، وبتعبیر آخر أنّ الطاقة الذریة : هی انشطار نواة الذرة وتحریر طاقتها الکامنة، ولقد أثبت العلماء أنّ الطاقة الحراریة للشمس تحصل نتیجة الانفجارات الذریة فیها، ولهذا السبب تفقد مقداراً کبیراً من وزنها کل أربع وعشرین ساعة ولو أنّ هذا النقصان ضئیل قیاساً بوزن وحجم الشمس .
بلا شکّ وکما أنّ المادة قابلة للتحول إلى طاقة کذلک الطاقة فانّها قابلة للتحول إلى مادة، أی إذا تراکمت الطاقة المنتشرة فانّها تأخذ حالة الجسم المادی .
وعلى هذا الأساس لایوجد أی مانع من عدم فناء ومحو أعمالنا وأقوالنا التی هی طاقات مختلفة وارجاعها مرّة اُخرى بأمر الله على صورة جسم .
ومن المسلَّم به أنّ کل عمل سیکون جسماً بما یتناسب مع خواصه وصفاته، فالطاقات التی تبذل فی سبیل الإصلاح وخدمة الناس والتقوى تظهر على شکل صورة جمیلة تتناسب مع ذلک العمل .
أمّا الطاقات التی تستعمل فی مجال الظلم والجور والقبح والفساد فتتجسم على شکل صورة قبیحة مخیفة .
وعلى هذا الأساس تعتبر حالة تجسّم الأعمال احدى المعاجز العلمیة للقرآن ، وکما اتّضح أنّ بقاء الطاقة وتحول المادة إلیها وبالعکس لم تکن مطروحة آنذاک، لکن الآیات والروایات تحدثت عن هذا الأمر بشکل واضح، وبناءً على ذلک لم تکن هناک مشکلة لا من حیث کون الأعمال من جنس «العرض» ولا من حیث کونها کما أشرن ـ لا تفنى وأنّ العرض والجوهر وجهان لحقیقة واحدة ویتضح هذا المعنى أکثر بالالتفات إلى حرکة الجوهر حیث إنّ القائلین بحرکة الجوهر یستدلون بالحرکات التی تقع فی العرض ویرون أنّ العرض والجوهر لاینفکان عن بعضهما البعض.
ومن المناسب أن نشیر إلى هذه النکتة فی نهایة الموضوع .
إنّ العالم الفرنسی (لافوازیه) استطاع بعد جهود حثیثة أن یکتشف أصل بقاء المادة وأثبت أنّ مواد العالم لا تفنى أبداً بل تتحول من شکل إلى آخر .
ولم یمر طویلاً إلاّ واکتشف (پیرکوری وزوجته) ولأول مرّة العلاقة بین الطاقة والمادة من خلال تجاربه على المواد النشطة اشعاعیاً (وهی أجسام تتکون من ذرات غیر ثابتة وتتحول بعض أجزائها تدریجیاً إلى طاقة) وبهذا الاکتشاف تبدل قانون بقاء المادة إلى قانون بقاء (المادة ـ الطاقة) .
وبهذا تزلزل أصل بقاء المادة وحلّ محله أصل بقاء مجموعة (المادة ـ الطاقة)، وأخذت عملیة تحول المادة إلى طاقة عن طریق انشطار الذرة بعداً علمیاً واسع النطاق .
ومن خلال هذا تبیّن أنّ هناک علاقة قریبة بین انشطار المادة والطاقة، ویمکن أن تتحول إحداهما إلى الاُخرى، وبعبارة اُخرى أنّ المادة والطاقة شکلان لحقیقة واحدة.
إنّ هذا الاکتشاف العلمی الکبیر أحدث تحولاً واسعاً فی مجال البحوث والتجارب العلمیة التی أثبتت وحدة العالم أکثر فأکثر .
إنّ هذا المبدأ فی مسألة المعاد وبحث تجسّم الأعمال ودفع الإشکالات التی کان الأقدمون یطرحونها حول هذه المسألة کان له أکبر الأثر فی ازالة موانع إثبات تجسّم الأعمال .
