یومئذ کلٌ یرى عمله

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
نفحات القرآن (الجزء السادس)
تمهیداستیفاء الأعمال یوم القیامة

لقد أشارت الآیات الاُولى الواردة فی آخر سورة الزلزال ثلاث مرّات إلى مسَألة رؤیة الأعمال (یَومَئِذ یَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّیُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ) و (فَمَن یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة خَیراً یَرَهُ )ثم (وَمَنْ یَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّة شَرّاً یَرَهُ ) .

«اشتاتا» : جمع (شت) على وزن (شط) بمعنى «التفرق» ، وقد یکون سبب تفرق صفوف الناس فی ذلک الیوم ورود کل اُمة بإمامها أو أن یتفرق أهل الإیمان عن أهل الکفر والعلماء عن المتعلمین والشهداء عن غیرهم (1) .

«مثقال» : بمعنى وزن، والذرة هی الأجزاء الصغیرة جدّاً، لذا فقد فسّرت الذرة أحیاناً بذرات الغبار واُخرى بالنملة الصغیرة جدّاً، ویشیر ظاهر الآیات بوضوح إلى أنّ الأعمال الصالحة أو السیئة تتجسد أمام صاحبها فی المحشر، ولو أنّ بعض المفسّرین وبسبب عدم قبولهم لمسألة تجسم الأعمال للأسباب التی أشرنا إلیها فی بدایة الموضوع ـ قالوا بالتقدیر فقدروا کلمة «جزاء»، والمراد حضور ومشاهدة جزاء الأعمال ، وقال البعض: إنّ الرؤیة هنا بمعنى العلم والمعرفة أی المشاهدة بعین العقل، وقال البعض الآخر: المراد مشاهدة کتاب الأعمال.

ومن المسلّم أنّ التفاسیر الثلاثة لا تتوافق مع ظاهر الآیة وذلک لأنّ تقدیر أخذ (الجزاء) أو (صحف الأعمال) ، مخالف لظاهر الآیة والرؤیة هنا بمعنى المشاهدة بالعین لا بالقلب التی تنصب مفعولین، فمن المعلوم أنّ الرؤیة القلبیة تتعدى إلى مفعولین والرؤیة الظاهریة تتعدى إلى مفعول واحد، وفی هذه الآیة لا نرى إلاّ مفعولاً واحداً لا أکثر (فتأمل) .

والجدیر بالذکر أنّ ابن عباس وبالرغم من کونه أقدم المفسّرین قد قبل هنا بمسألة رؤیة الأعمال، فیقول فی روایة وردت عنه :

«لیس من مؤمن ولا کافر عمل خیراً أو شرّاً إلاّ أراه الله إیّاه، أمّا المؤمن فیغفر له سیئاته ویثیبه بحسناته، وأمّا الکافر فیردّ حسناته تحسیراً له» (2) .

ونرى فی أحادیث المعصومین الواردة فی تفسیر الآیات تعابیر واضحة تدلل على رؤیة وحضور الأعمال ، منها ماقاله أمیر المؤمنین(علیه السلام) فی هذا المعنى :

«فمن کان من المؤمنین عمل فی هذه الدنیا مثقال ذرة من خیر وجده ومن کان من المؤمنین عمل فی هذه الدنیا مثقال ذرة من شر وجده»(3) .

ونجد فی الآیة الثانیة تعبیراً آخر فی هذا المعنى ، فبعد الإشارة إلى کتاب الأعمال قال تعالى: (وَوَجَدُوا مَاعَمِلُوا حَاضِراً ).

وقال تعالى: (وَلاَ یَظْلِمُ رَبُّکَ أَحَدَاً ).

لقد استبعد جمع من المفسّرین فکرة حضور الأعمال فی هذه الآیة فقد فسروها أحیاناً بمعنى حضور أخبار الأعمال فی کتاب الأعمال وأحیاناً اُخرى بمعنى حضور جزاء الأعمال ولکن البعض الآخر احتمل حضور نفس العمل(4) .

وعلى حد قول المرحوم العلاّمة الطباطبائی «یمکن أن یکون ذیل الآیة شاهداً على هذا الموضوع ، وذلک لأنّ حضور نفس العمل لإثبات نفی الظلم عنه تعالى أفضل وأوضح» (فتأمل جیداً) .

ولقد طرحت الآیة الثالثة هذا التعبیر بصراحة وتفصیل أکثر ، وذلک لأنّ الکلام کان یدور فی الآیة السابقة حول الکافرین والمجرمین، أمّا فی هذه الآیة: (یَوْمَ تَجِدُ کُلُّ نَفْس مَّاعَمِلَتْ مِنْ خَیْر مُّحْضَرَاً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوء تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَیْنَهَا وَبَیْنَهُ أَمَداً بَعِیداً )، فهناک قولان فی تفسیره :

الأول : هو أن یجد کل إنسان ما عمل من أفعال الخیر والشرّ محضرة یوم القیامة.

الثانی : هو أن یجد کل إنسان ماعمل من أعمال الخیر محضرة ویود أن تکون هناک فاصلة زمانیة بینه وبین أعماله السیئة ، ویرجع هذا الاختلاف فی تفسیر الآیة إلى مکان الوقوف فیه ، فمنهم من قال : «إنّ الوقوف بعد (محضراً) ومنهم من قال :إنّ الوقوف بعد سوء»(5) .

لکن النتیجة فی کلا التفسیرین واحدة ، وذلک لأنّ المستفاد من المعنى الثانی أیضاً هو حضور أعماله السیئة لدیه وإن کان یتمنى وجود فاصلة بینه وبینه .

وقد ورد احتمال آخر لبعض المفسرین فیرى أنّ المجرمین یودون لو أنّ بینهم وبین السوء الذی عملوه أمداً بعیداً أو أن بینه وبین هذا الیوم أمداً بعید (6) .

ومن المعلوم أنّ الإنسان یتمنى أن یکون بینه وبین الاُمور التی ینفر منها فاصلة مکانیة بعیدة، فی حین أنّ المراد بـ (أمداً بعیداً) الذی ورد فی الآیة الکریمة یقصد بها الفاصلة الزمانیة البعیدة.

ومن الممکن أن یکون سبب هذا التعبیر هو أنّ احتمال الحضور والتلاقی یکون أکثر فی الفواصل المکانیة ، أمّا احتماله فی الفواصل الزمانیة فهو معدوم.

فمثلاً أنّ الشخص الذی یعیش خلال سنوات الحرب العالمیة یشعر بنوع من القلق والاضطراب، حتى وإن کان بعیداً عن ساحة العملیات العسکریة، أمّا الذین تفصلهم فواصل زمنیة (بعیدة) عن تلک الحرب فهم لایشعرون بأی قلق أو اضطراب بسببها.

ومن المعلوم أنّ (الأمد) یأتی دائماً للزمان ، ویقول الراغب فی مفرداته: «إنّ معناه یقترب من معنى (أبد) مع فارق بسیط هو أنّ (أبد) زمان لیس له أی حد محدود، أمّا (أمد) فهو زمان له حد مجهول ».

فالحدیث فی الآیة السابقة یدور حول حضور الأعمال ، وتتحدث هذه الآیة عن احضار الأعمال ، أی إنّها تتناول موضوعاً أوسع ، ووِفقها فإنّ الله تعالى وبقدرته المطلقة یحضر جمیع الأعمال الصالحة والسیئة شاء صاحبها أم أبى ، ولذا قال بعض المفسّرین: إنّ هذا التعبیر هو أکثر اخافة وفزعاً من تعبیر الآیة السابقة .

ونواجه فی الآیة الرابعة تعبیراً جدیداً أیض حول هذا الموضوع ، قال تعالى :(وَبَدَا لَهُمْ سَیِّئَاتُ مَاکَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَّاکَانُوا بِهِ یَسْتَهْزِءُونَ).

«بدا» : مشتقّة من مادة (بدو) بمعنى الظهور التام ، ولهذا قالوا للبراری (البادیة) لظهورها بعکس المدن التی کانت تحاط بالأسوار والحصون فتختفی وراءه .

«سیئات ما کسبوا»: تعنی أعمال السوء ، وقد فسّرها البعض بمعنى جزاء هذه الأعمال ، أو أنّهم قدروا کلمة جزاء ، ولکن ظاهر الآیة یفید أنّ أعمالهم السیئة تظهر واضحة جلیة فی ذلک الیوم، وذلک لأنّ السیئات جمع سیئة ـ تعنى العمل السیء ولیس سوء العمل (تأمل جیداً) .

ومن الممکن أن یکون هذا التعبیر إشارة إلى أنّ الکثیر من الأعمال السیئة فی هذا العالم تخفی صورتها الحقیقیة مثل الریاء الذی یراد به غیر الله تعالى، ولکن فی ذلک الیوم وهو یوم الکشف عن السرائر ویوم الظهور یکشف عن الوجه الحقیقی لجمیع الأعمال، کما نقرأ فی الحدیث الوارد عن الرسول الأکرم (صلى الله علیه وآله) فی تفسیر هذه الآیة: «هی الأعمال حسبوها حسنات فوجدوها فی کفة السیئات» .

وهذا الحدیث بدوره شاهد آخر على نظریة تجسّم الأعمال (7) .

ونواجه فی الآیة الخامسة تعبیراً جدیداً أیض ، فبعد أن ذمّت الآیة البخلاء وأخبرت بأنّ البخل لیس خیراً لهم وإنّما هو ضرر علیهم:(سَیُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ یَوْمَ الْقِیَامَةِ ) .

یستفاد من هذا التعبیر أنّ الأموال التی لم تدفع الحقوق المفروضة علیها ولم ینتفع بها أحد ستکون على شکل طوق تطوّق به رقاب البخلاء یوم القیامة ، فکما کان وزرها على عواتق أصحابها دون الانتفاع بها فکذلک الأمر فی یوم القیامة .

ولقد ورد فی تفسیر العیاشی نقلاً عن الإمام الباقر (علیه السلام) فی توضیح معنى هذه الآیة قال : «مامن عبد منع زکاة ماله إلاّ جعل الله ذلک یوم القیامة ثعباناً من نار مطوّقاً فی عنقه»(8) .

ولکن ما المقصود بالبخل فی الآیة الکریمة: ممّا آتاهم الله من فضله ؟

یعتقد بعض المفسِّرین أنّ الآیة ناظرة إلى البخل فی العلم والمعرفة وحسب ما جاء فی سبب نزولها حیث نقل عن ابن عباس أنّ الآیة نزلت فی کتمان الیهود لعلامات الرسول(صلى الله علیه وآله)(9) .

فی حین نجد أنّ هناک روایات عدیدة ذکرت أنّ الآیة تتعلق بمانعی الزکاة ولا یستبعد أن یکون للآیة مفهومٌ واسعٌ بحیث تشمل کل الهبات الإلهیّة التی ذکرناها والتی لم نذکرها.

ویلاحظ أنّ جمعاً من المفسرین لم یأخذوا بظاهر الآیة وفسّروها بجزاء الأعمال ، وقال البعض منهم: إنّ المراد بالآیة الکریمة البخلاء فهم مکلّفون یوم القیامة بالإتیان بمثل هذه الأموال ولکنّهم لن یتمکنوا من ذلک (أی إنّ الذی سیطوقون به هو التکلیف ولیس نفس الأموال) .

ولکنّ هذا النوع من التفاسیر إضافة إلى کونه یفتقر إلى الدلیل کذلک فهو مخالف لظاهر الآیة ولا یتوافق مع الروایات الکثیرة المنقولة عن أئمّة الهدى (علیهم السلام) فی تفسیر هذه الآیة .

وتتحدث الآیة السادسة عن موضوع جدید وهو (حضور واحضار العمل) قال تعالى :

(وَإِذَا الْجَحِیمُ سُعِّرَتْ * وَإِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ * عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا أَحْضَرَتْ ) .

قال المرحوم الطبرسی فی مجمع البیان : «ما احضرت بمعنى ما وجدت حاضراً من عملها، والعجیب أنّه یقول على أثرها: إنّ لإحضار الأعمال معنى مجازیاً لأنّ العمل لیس بالشیء الذی یبقى إذ إنّه یفنى بعد الأداء، وقال البعض إنّ المقصود هو حضور صحیفة الأعمال»(10) .

فی حین کما سنوضح ذلک فی فقرة (التوضیحات) ـ أنّ الأعمال لا تفنى أبداً ولا مانع من تجسمها على شکل صور مناسبة فی ذلک الیوم.

إنّ احضار العمل سواء کان بمعنى (الاحضار) أو (الحضور) (حیث فسّر بکلا المعنیین) یدلّ على ما نصبو إلیه من هذا البحث .


1. تاج العروس فی شرح القاموس مادة (شت) ویقول البعض أنّها جمع شتیت والبعض الآخر جمع شتات.
2. تفسیر روح البیان، ج 10، ص 494.
3. تفسیر نور الثقلین، ج 5 ، ص 650.
4. تفسیر روح المعانی، ج 15، ص 267; و تفسیر روح البیان، ج 5، ص 254.
5. الحالة الاُولى (الواو) وما عملت من سوء استئنافیة، أمّا الحالة الثانیة فلکون الواو: عاطفة فجملة «تود» جملة حالیة.
6. ورد هذا الاحتمال فی تفسیر روح البیان، ج 2، ص 21; وفی تفسیر فی ظلال القرآن، ج 1، ص 569.
7. تفسیر روح البیان، ج 8، ص 121 .
8. تفسیر العیاشی، ج 1، ص 207، ح 158 .
9. لقد وردت روایة ابن عباس فی کثیر من التفاسیر من جملتها تفسیر القرطبی; تفسیر روح المعانی; تفسیر المنار ، ذیل الآیة مورد البحث .
10. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 444 .

 

تمهیداستیفاء الأعمال یوم القیامة
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma