یستفاد من الروایات الإسلامیة إضافة إلى مسألة تجسّم الأعمال أنّ أخلاق الإنسان تتجسّد أیضاً فی ذلک الیوم على صورة إنسان .

وعلى هذا الأساس فإنّ الناس یردون المحشر على صور مختلفة بما یتناسب مع أخلاقهم وطباعهم، فالذین لهم قلوب مملوءة بنور الإیمان تظهر وجوههم بیضاء ونورانیة منیرة ، وبعکس ذلک القلوب المظلمة الذین کانوا یعیشون فی ظلمات الکفر فإنّ وجوههم سوف تکون مسووة وکالحة، وقد أشار القرآن الکریم إلى ذلک بالقول: (یَومَ تَبْیَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِینَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَکَفَرْتُمْ بَعْدَ إِیمَانِکُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا کُنْتُمْ تَکفُرُونَ * وَأَمَّا الَّذِینَ ابْیَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِى رَحْمَةِ اللهِ هُم فِیهَا خَالِدُونَ ) .

(آل عمران/ 106 ـ 107)

وقال تعالى فی موضع آخر فیما یتعلق بعاقبة المذنبین والظلمة: (کَأَنَّمَا اُغْشِیَتْ وُجُوهُهُم قِطَعاً مِّنَ اللَّیْلِ مُظلِماً ) . (یونس / 27)

نعم ، إنّ ذلک الیوم هو یوم ظهور وتجسد الأعمال، فتبرز کل الأخلاق والطباع الداخلیة والملکات النفسیة ویصطبغ جمیع جسد الإنسان بلونها الخاص کما قال الشاعر الفارسی :

کُلُّما یستوطنُ القَلبَ ، لهُ *** هیئَةٌ یومَ انبعاث البَشَرِ

والذی کنتَ علیهِ عاکِفاً *** فَیهِ تُحُشَرُ یومَ المَحشَرِ

ونقل بعض المفسرین الکبار عند تفسیرهم قوله تعالى: (یَوْمَ یُنْفَخُ فِى الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً ). (النبأ / 18)

حدیثاً عن الرسول(صلى الله علیه وآله)، وخلاصته:

کان معاذ بن جبل جالساً بالقرب من رسول الله (صلى الله علیه وآله) فی منزل أبی أیوب الأنصاری، فقال : یارسول الله أرأیت قول الله تعالى: (یَوْمَ یُنْفَخُ فِی الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجاً )، فقال : «یامعاذ سألت عن عظیم من الأمر ثم أرسل عینه ثم قال : عشرة أصناف من اُمّتی یحشرون أشتاتاً قد میّزهم الله من المسلمین فبعضهم على صورة القردة وبعضهم على صورة الخنازیر، وبعضهم عمی یترددون وبعضهم صم بکم لایعقلون وبعضهم یمضغون ألسنتهم یسیل القیح من أفواههم لعاباً یتقززهم أهل الجمع، وبعضهم أشد نتناً من الجیف» الحدیث، فأمّا الذین على صورة القردة، فالقتات من الناس، وأمّا الذین على صورة الخنازیر، فأهل السحت، والعمى، الجائرون فی الحکم، والصم البکم، المعجبون بأعمالهم، والذین یمضغون السنتهم العلماء والقضاة الذین خالفت أعمالهم أقوالهم، والذین أشد نتناً من الجیف، الذین یتمتعون بالشهوات واللذات ویمنعون حق الله تعالى فی أموالهم (1) .

1. تفسیر مجمع البیان، ج 10، ص 423 ولقد نقل هذا الحدیث الکثیر من المفسرین مثل أبی الفتوح الرازی فی روح الجنان; والقرطبی; وروح البیان; وتفسیر الصافی فی ذیل الآیة مورد البحث .