التبریر الواهی

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
على مفترق طریقین
نقد ودراسةالسید محمد بن علوی ونقده الواضح

والنکتة الملفتة للنظر أنّ الوهابیین المتعصبین وبسبب جهلهم وعدم قدرتهم على الجواب عندما یصلون إلى هذا الموضوع یغیّرون مسار الکلام ویقولون: إنّ الآیتین أعلاه تتعلقان بزمن حیاة النبی(صلى الله علیه وآله)ولکن بعد الموت لا یقدر النبی(صلى الله علیه وآله) على شیء من هذه الاُمور.

وعلیه فإنّ طلب الشفاعة من نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) بعد وفاته لیس بنافع.

هنا لاحظوا بدقّة أنّ مسألة الشرک والکفر تخلی مکانها لمسألة «عدم النفع» حیث یقولون إنّ الإنسان لو طلب الشفاعة من الأنبیاء فی حیاتهم لا یکون ذلک من الشرک أو الکفر، ولکن بعد وفاتهم سیکون هذا الطلب لغواً وغیر مثمر. وهذا فی الحقیقة بمعنى النکوص على جمیع الادّعاءات السابقة، «فتدبر».

ونقول فی هذا الصدد: إنّ هذا الطلب لیس من الکفر ولا من اللغو، لأنّ أی مسلم لا یسمح لنفسه أن یعتقد بأنّ مقام نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) أقل شأناً من الشهید العادی فی بدر واُحد، حیث یقول تعالى عن هؤلاء الشهداء: (...أَحْیَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ یُرْزَقُونَ)(1).

فأی جفاء لرسول الله(صلى الله علیه وآله) أشنع من هذا الکلام!!

ولعل فهمهم الخاطیء ناشیء من قوله تعالى مخاطباً نبیّه الکریم:

(إِنَّکَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلاَ تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ)(2).

والحال أنّ هذه الآیة الشریفة ناظرة إلى الأشخاص العادیین لا إلى النبی(صلى الله علیه وآله) والأولیاء الطاهرین.

ینبغی أن نسأل من هؤلاء: إذن لماذا تسلمون على رسول الله(صلى الله علیه وآله)فی صلاتکم وتقولون: «السَّلامُ عَلَیکَ أَیُّهـا النَّبِیُّ وَرَحْمَةُ اللهِ»، هل یعقل السلام على من لا یدرک شیئاً (ونعوذ بالله)؟ هل أنّ قوله تعالى: (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیماً)(3)، تتعلق فی حیاة النبی(صلى الله علیه وآله) خاصة أم بعد وفاته أیضاً؟ ونسأل: على من یرسل الله تعالى والملائکة والمؤمنون الصلوات والرحمة؟ هل یعقل أن تکون الصلاة على من لا یدرک شیئاً «نعوذ بالله».

ولماذا نصبتم لافتة فوق الضریح المقدّس إلى جانب الرأس وکتبتم فیها: (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِىِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْض أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُکُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ)(4).

لماذا لا تسمحون لأحد أن یرفع صوته هناک (إلى جانب قبر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله))؟ فإذا کنتم تعتقدون بأنّ رسول الله(صلى الله علیه وآله) بعد وفاته لا یفهم شیئاً «العیاذ بالله» فلماذا لا نرفع اصواتنا عند قبره(صلى الله علیه وآله) .

ألا تقترب هذه الأفکار والعقائد من نهایة الخط؟

علیکم بالانصاف فی الاجابة:

 

هـ) مفهوم «الدعاء فی القرآن»

 

ومن جملة المفاهیم الدینیة التی وقع الوهابیون فی فهمها فی خطأ شنیع وحکموا بسبب هذا الفهم الخاطىء بکفر الکثیر من المسلمین، مفهوم «الدعاء» فی القرآن. حیث یعتقدون بأنّ کل شخص یدعو النبی أو أحد أولیاء الله والصالحین من عباده فهو مشرک وکافر ویستباح دمه وماله.

وقد ذکر «الصنعانی» وهو من أنصار عقائد محمد بن عبدالوهاب فی کتابه «تنزیه الاعتقاد» کلاماً فی بیان عقیدتهم فی الدعاء وقال: إنّ الله تعالى أطلق على الدعاء کلمة العبادة وقال: (ادْعُونِی أَسْتَجِبْ لَکُمْ إِنَّ الَّذِینَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِی سَیَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِینَ)(5).

فعلى هذا الأساس لو دعا شخص النبی(صلى الله علیه وآله) أو ولی صالح لأمر من الاُمور أو قال: اشفع لی عند الله فی قضاء حاجتی، أو قال: اطلب قضاء حاجتی بواسطتک من الله تعالى، وأمثال ذلک، أو قال: اقضی عنی دینی أو شافی مرضی، وأمثال ذلک، وبما أنّ الدعاء عبادة، بل مخ العبادة، فإنّ هذا الشخص قد عبد غیر الله وهو مشرک، لأنّ «التوحید» لا یکتمل إلاّ أن یعتقد الإنسان بأنّ الله تعالى هو الخالق والرازق فقط ولا یعترف بغیره خالقاً ورازقاً ولا یعبد غیره حتى بعض العبادة»(6).

هذه الکلمات والعبارات تتکرر فی الکثیر من کتبهم وأدبیاتهم.

وهکذا یستند هؤلاء فی اتّهامهم الآخرین بالکفر والشرک على هذه الآیة المذکورة فی کلام الصنعانی، وکذلک بآیات اُخرى من قبیل:

1 ـ (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)(7).

 

2 ـ (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِینَ یَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لاَ یَسْتَجِیبُونَ لَهُمْ بِشَىْء)(8).

3 ـ (إِنَّ الَّذِینَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُکُمْ...)(9).

حیث یفهمون من هذه الآیات الشریفة ما فهمه الصنعانی أیضاً، یعنی لا یحق لأحد أن یقول: «یا رسول الله اشفع لی عند الله» وإلاّ فهو کافر ومهدور الدم!

وعلى هذا الأساس فإنّ أحد العوامل المهمة التی سببت حالة العنف لدى هذه الجماعة بحیث قتلوا الآلاف المؤلفة من الناس الأبریاء ونهبوا أموالهم واستباحوا أعراضهم هو الفهم الخاطىء لمعنى «الدعاء فی القرآن الکریم».

والآن نعود إلى الآیات الشریفة ونستفهم منها معنى «الدعاء فی القرآن الکریم» لیتضح أنّ الدعاء لغیر الله أحیاناً یتناسب مع الکفر واُخرى مع الإیمان، ولکنّ هؤلاء المتعصبین وبسبب قلّة اطّلاعهم والترسبات الذهنیة لدیهم وقعوا فی هذا الفهم الخاطىء والقراءة الزائفة والخطرة للمفاهیم القرآنیة.

«واتفق لنا أنّ ثبت بالتجربة أنّ بعض الأفراد فی حوزاتنا العلمیة تحصل لدیهم أحیاناً میول وهابیة (وإن کان نادراً جداً) حیث نرى هؤلاء یعیشون مشکلة فی فهم الدروس الحوزویة وقلّة المعلومات وسطحیة التفکیر».

 

على أیّة حال فإنّ مفردة «الدعاء» وردت بمعان مختلفة فی القرآن الکریم:

1 ـ «الدعاء» بمعنى العبادة کقوله تعالى فی الآیة 18 من سورة الجن: (... فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً)، حیث وردت العبارة «مع الله» وتشیر إلى أنّ المراد عبادة غیر الله والاعتقاد بالشریک لله تعالى، والشاهد على هذا المعنى، الآیة 20 من هذه السورة:(قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّی وَلاَ أُشْرِکُ بِهِ أَحَداً).

إنّ أی مسلم یعلم أنّ الدعاء بهذا المعنى مختص بالله تعالى، فلا أحد یصل إلى مرتبة الاُلوهیة غیره ولیس هناک شک وتردید فی هذه المسألة.

2 ـ «الدعاء» بمعنى دعوة الآخرین بالاتجاه لأمر معیّن من قبیل ما ورد فی قوله تعالى على لسان النبی نوح(علیه السلام):(قَالَ رَبِّ إِنِّی دَعَوْتُ قَوْمِی لَیْلا وَنَهَاراً * فَلَمْ یَزِدْهُمْ دُعَائِی إِلاَّ فِرَاراً)(10).

وبدیهی أنّ دعوة هؤلاء القوم هی فی الحقیقة دعوة للإیمان وهذا النوع من الدعاء عین الإیمان وامتثال هذا الأمر واجب على الأنبیاء.

وهکذا ما ورد بالنسبة لنبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) حیث یقول تعالى مخاطباً إیّاه: (ادْعُ إِلَى سَبِیلِ رَبِّکَ بِالْحِکْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ...)(11).

3 ـ «الدعاء» بمعنى طلب الحاجة، فأحیاناً یکون طلب الحاجة

من طرق طبیعیة مثل: (... وَلاَ یَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا...)(12).

فعندما یتمّ دعوة بعض الناس لأداء الشهادة فلا ینبغی لهم الامتناع. وهذا الدعاء فی هذا المورد دعوة فی الاُمور العادیة، ومعلوم أنّ من یدعو الشهداء لا یکون کافراً بل یؤدّی وظیفته الشرعیة، وأحیاناً یکون طلب الحاجة من الطرق غیر الطبیعیة، أی طریق المعجزة وهذا بدوره على قسمین:

أحیاناً طلب الحاجة مع اعتقاده باستقلال الطرف الآخر «غیر الله» فی التأثیر، وأحیاناً اُخرى یطلب الحاجة من شخصیة کبیرة بأن یطلب من الله تعالى قضاء حاجاتنا.

القسم الأول عبارة عن نوع من الشرک، لأنّه یعتقد باستقلالیة المدعو فی التأثیر، فجمیع الأسباب والمسببات العادیة لا تؤثر شیئاً إلاّ بإذن الله تعالى.

یقول القرآن الکریم فی هذا المجال: (قُلِ ادْعُوا الَّذِینَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِهِ فَلاَ یَمْلِکُونَ کَشْفَ الضُّرِّ عَنکُمْ وَلاَ تَحْوِیلا)(13).

أی أنّ هؤلاء غیر قادرین على حلّ مشاکلکم وغیر قادرین على ایجاد أی تغییر فی حیاتکم.

ولا یوجد أی إنسان مؤمن ومطّلع یعتقد بمثل هذه العقیدة بالنسبة للأنبیاء والأولیاء.

أمّا القسم الثانی وهو توحید الإنسان الکامل، بمعنى أنّ الإنسان عندما یجعل بینه وبین الذات المقدّسة واسطة وشفیعاً ویرى فی نفس الوقت أنّ الله تعالى هو مسبب الأسباب وأنّ جمیع الأمور فی قبضته وبمشیئته ولکنّه یتقرب إلیه من خلال التوسل بأولیائه ویطلب منه الحاجة بواسطتهم فهذا عین التوحید والإیمان بالمشیئة الإلهیّة المطلقة.

ویحدثنا القرآن الکریم عن بنی اسرائیل عندما جاءوا إلى موسى(علیه السلام)وطلبوا منه أطعمة متنوعة «غیر المنّ والسلوى» ویقول: (وَإِذْ قُلْتُمْ یَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَام وَاحِد فَادْعُ لَنَا رَبَّکَ یُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الاَْرْضُ مِنْ بَقْلِهَا ...)(14).

ولم یعترض موسى(علیه السلام) علیهم أنّکم لماذا دعوتمونی وطلبتم منّی أن أسأل الله ذلک ولم تطلبوا ذلک مباشرة من الله تعالى وأنّ هذا العمل کفر وشرک، بل نرى أنّ موسى استجاب لهم طلبهم وسأل الله تعالى ذلک: (لَکُمْ مـا سَأَلتُمْ)، ولکنّه قال لهم معترضاً إنّکم ترکتم الطعام الجید وطلبتم الأطعمة الدانیة.

 

 

النتیجة

 

یستفاد ممّا تقدم من البحث أنّ هذه الجماعة من الوهابیین بدلاً من مراجعتهم للموارد المختلفة فی معنى «الدعاء» فی القرآن والتدبر فی مجموع التعالیم الواردة فی هذه المسألة، اکتفوا بقراءة بعض الآیات وقنعوا بمدلولها و ترکوا ما سواها من الآیات وبالتالی حکموا على أکثریة المسلمین بالشرک والکفر، والأنکى من ذلک أنّهم تحرکوا فی اتهامهم وحکمهم هذا على مستوى الممارسة والعمل وقتلوا الکثیر من المسلمین المخلصین وسفکوا دماءهم ونهبوا أموالهم کما تقدمت الإشارة إلیه.

 

 

و) البدعة فی الکتاب والسنّة

 

والسادس من المفردات القرآنیة التی أساءت هذه الفئة من الوهابیین المتعصبین فهمها، مفردة «البدعة».

ویحدثنا القرآن الکریم فی مورد ذمّ الرهبانیة فی الآیة 27 من سورة الحدید حیث یقول: (وَرَهْبَانِیَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا کَتَبْنَاهَا عَلَیْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَایَتِهَا...).

إذا قلنا إنّ هذا الاستثناء فی الآیة، استثناء متصل کما هو ظاهر الآیة فیکون مفهوم الآیة هو ما یظهر من سیاقها، أی أنّ المسیحیین أبدعوا نوعاً من الرهبانیة وترک الدنیا لم یکتبه الله تعالى علیهم ولم یرد فی التعالیم السماویة، وفی نفس الوقت لم یرعوها حق رعایتها، کما سیأتی تفصیل هذا المعنى لاحقاً.

وإذا قلنا إنّ الاستثناء فی الآیة منقطع، فمفهوم الآیة هو أننا لم نأمرهم بالرهبانیة «بل هی بدعة ابتدعوها» وقد أوصیناهم (بِابْتِغـاءِ مَرضـاةِ اللهِ).ولکنهّم لم یرعوا هذه التوصیة.

على أیّة حال هذه الآیة الشریفة تذم هذه البدعة، وهی البدعة التی یقول عنها المؤرخون بدأت بعد عدّة قرون من حیاة المسیح(علیه السلام)وبسبب حوادث تاریخیة مؤسفة أدّت إلى هزیمة المسیحیین ولجوء أفراد منهم إلى الجبال والودیان حیث اختاروا العزلة والانزواء وتدریجیاً ظهرت الرهبانیة على شکل ظاهرة دینیة، وفی البدایة لجأ بعض الرجال من الزاهدین والتارکین للدنیا إلى أماکن یطلق علیها «الدیر» ثم التحق بهم بعض النسوة التارکات للدنیا واخترن الحیاة فی «الدیر» وهنّ «الراهبات».

ومن جملة التقالید الخاطئة التی اقترنت بالرهبانیة وشاعت بین الرهبان والراهبات، مسألة «ترک الزواج» بشکل مطلق وهو أمر یخالف السنّة الإلهیة والطبیعة للبشریة وصار منبعاً للکثیر من المفاسد وأشکال الانحراف.

ویتحدث المؤرخ المشهور «ول دیورانت» فی تاریخه المشهور «قصة الحضارة» فی بحث مفصّل حول الرهبان وسلوکیاتهم، وضمن اعترافه بانضمام الراهبات إلى صومعات الرهبنة فی القرن الرابع المیلادی شرعت ظاهرة الرهبانیة فی الازدهار والنمو حتى وصلت إلى الذروة فی القرن العاشر للمیلاد(15).

ورغم أنّ الرهبان والراهبات قدّموا خدمات اجتماعیة متنوعة طیلة تاریخهم، ولکنّ المفاسد الاجتماعیة والأخلاقیة الناشئة من هذه الظاهرة کانت أکثر، والأفضل أن نصرف النظر عن تفاصیل هذه الاُمور المذکورة فی کتب المؤرخین المسیحیین.

أجل، فمن الطبیعی أن تکون عاقبة البدع بهذه الصورة غالباً.

على أیّة حال، فمضافاً للآیة المذکورة، هناک روایات کثیرة فی ذم البدعة وردت فی المصادر الإسلامیة، ومنها الحدیث النبوی المعروف «کُلُّ بِدعَة ضَلالَة»، المذکور فی مصادر روائیة کثیرة منها «مسند أحمد» و«مستدرک الصحیحین» و«سنن البیهقی» و«المعجم الأوسط للطبرانی» و«سنن ابن ماجه»(16).

وهکذا عندما رأى الوهابیون المتعصبون هذه الأحادیث تحرکوا فی البدایة، بدون التدبر فی معنى «البدعة»، على مستوى مخالفة کل ظاهرة جدیدة حتى أنّهم أطلقوا على الدراجة «مرکب الشیطان» وخالفوا بشدّة نصب خطوط الهاتف، ولکنّ لمّا شاهدوا معالم التطور الحضاری السریع فی العالم أذعنوا لظاهرة التمدن الغربی، ولیس فقط قبلوا بالأمر الواقع بل غرقوا فی ظواهر التمدن هذه، فعندما نتوجه فی هذه الأیّام إلى العربیة السعودیة نرى السیارات الفخمة من آخر طراز، ووسائل التهویة الحدیثة، وأفضل وأرقى وسائل الراحة فی المنازل وحتى أنواع الأجهزة والأطعمة الغربیة قد ملأت الأسواق الحدیثة فی کل مکان حیث یستفید منها الکبیر والصغیر والعالم والجاهل.

وفی هذا المجال نراهم قد ترکوا المخالفة مع هذه «البدع» ولکنّهم ظلوا متمسکین بمخالفة البدع التی لها صبغة مذهبیة من قبیل: البناء على القبور، مراسیم احیاء الذکرى السنویة لمیلاد النبی وأولیاء الدین، ومراسیم إقامة العزاء على الشهداء وأمثال ذلک، فکل من تحرک فی هذا الخط ومارس هذه الشعائر وصَموه بالمبتدع واعتبروه مستحقاً لجمیع أشکال اللوم والتوبیخ.

ولکننا نتساءل: ما هی البدعة فی حقیقتها، ومتى تکون حراماً؟

ورغم أننا أشرنا سابقاً إلى هذا الموضوع ولکن لا بأس من توضیح أکثر لهذه المسألة:

«البدعة» فی اللغة، کما تقدمت الإشارة إلیه، بمعنى کل تجدید فی الاُمور، خیراً کان أو شرّاً، وهی فی اصطلاح الفقهاء: «إدخال ما لیس من الدین فی الدین».

أجل، فکل شیء لم یکن من الدین إذا دخل فی الدین واعتبر حکماً إلهیاً فهو بدعة.

والبدعة تکون على نحوین: أن یکون الواجب حراماً والحرام واجباً، أو یکون الممنوع مباحاً أو المباح ممنوعاً.

مثلاً، نقول إنّ النظام المصرفی فی هذا العصر یقوم على عملیات ربویة ولا یمکن اجتنابه، وعلیه لابدّ من قبوله، أو نقول إنّ الحجاب

کان یتعلق بزمان کانت المجتمعات البشریة غیر متمدنة، ولکن الیوم
لا مانع من کشف الحجاب، ونبرر ذلک بأشکال من التبریرات التی تفضی إلى تحلیل الحرام وتحریم الحلال، فکل هذه الموارد من المصادیق البارزة للبدعة.

وأحیاناً نقرر بعض الاُمور التی لم ترد فی التعالیم الدینیة ولیس لها أصل فی الکتاب والسنّة أنّها جزء من الدین، مثلاً إقامة مراسم العزاء على الأموات فی الیوم الثالث والسابع ویوم الأربعین من یوم الوفاة على أساس أنّ ذلک جزء من تعالیم الإسلام وهی فی الحقیقة اُمور عرفیة، أو نعتقد بأنّ الفرح وإقامة الاحتفالات فی الأعیاد الإسلامیة واجب شرعی وأمثال ذلک.

وببیان أفضل، إنّ ظواهر التجدید على ثلاثة أقسام:

1 ـ التجدید فی الاُمور العرفیة تماماً والتی لا ترتبط بالمسائل الشرعیة من قبیل التجدید فی اُمور الصناعة والاختراعات والاُمور الطبیعیة التی لم تکن فی زمان وعصر نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) وسائر أولیاء الدین المعصومین، لأنّ قافلة العلوم والاختراعات لا تعرف التوقف والسکون، فمثل هذه البدع تعتبر من البدع المفیدة والبنّاءة، لأنّ جمیع العقلاء فی العالم یرحبون بکل ظاهرة مفیدة بدون تعصب ومن أی قوم ومجتمع بشری.

2 ـ التجدید فی الاُمور العرفیة حول الموضوعات الشرعیة بدون نسبتها إلى الشرع، مثل بناء المساجد بکیفیة خاصة، بناء المنائر، المحاریب، الفسیفساء والکاشی المعرّق ، الزخرفة فی الخط، الاستفادة من المکروفون ومکبّرات الصوت لبث الاذان ومئات الموارد من هذا القبیل.

ومعلوم أنّ هذه الاُمور لم تکن فی عصر نبی الإسلام(صلى الله علیه وآله) فهل یقول أحد أنّ هذه الاُمور من البدعة وأنّها حرام؟ فی حین أنّ جمیع المسلمین یستخدمونها وحتى العربیة السعودیة ومراکز الوهابیة ومسجد النبی زاخرة بهذه المظاهر الجدیدة، وهکذا بالنسبة للتغییرات الکثیره التی حدثت فی المسجد الحرام والتی لا تشبه ما کان فی عصر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله). وأهم من ذلک بناء الطبقة الثانیة فی الصفا والمروة لسعی الحجاج، وکذلک التغییر الکبیر فی الجمرات ونقل محل الهدی إلى خارج منى وأمثال ذلک.

هذه التغییرات وأشکال التجدید اُمور عرفیة تسیر بموازاة الشریعة لغرض تسهیل أعمال الحج أو رفع المشاکل والاخطار التی یواجهها الحجاج ولم یعتقد أحد بأنّ هذه الاُمور من جملة الأحکام الشرعیة أو أنّها بدعة فی الدین.

وهکذا الحال فی تشکیل مجالس مسابقة قراءة القرآن، وانتخاب أفضل قارىء وحافظ ومفسّر للقرآن الکریم.

ومعلوم أنّ أیة واحدة من هذه المظاهر لم تکن فی عصر النبی الأکرم(صلى الله علیه وآله) بل حدثت فی هذا العصر لغرض تقدیم تسهیلات ولدعم المقاصد الدینیة ولا أحد یقول إنّها من الدین.

ومن هذا القبیل احترام الموتى من خلال مجالس الترحیم وفی مقاطع زمنیة خاصة.

 

وأیضاً تشکیل المؤتمرات والاجتماعات الدینیة لتکریم أولیاء الدین وتخلید ذکراهم.

احتفالات فی ذکرى ولادات أولیاء الدین.

مجالس الترحیم والتکریم فی ذکرى استشهادهم أو وفاتهم.

وأمور اُخرى من هذا القبیل تفضی إلى تقویة دعائم الإسلام فی نفوس المؤمنین وتورث العزة للمسلمین وتمیط حجب الغفلة والجهل عنهم وتؤدی إلى زیادة معرفتهم بدینهم.

لقد جرّبنا فی أجوائنا الاجتماعیة مرات عدیدة أنّ إقامة مثل هذه النشاطات العرفیة فی دائرة الاُمورالدینیة توقظ فی الناس مکامن الشعور بالالتزام الدینی وتوجب مزیداً من المعرفة بتعالیم الدین وخاصة بالنسبة للشبّان حیث تثیر فیهم الاهتمام بالمعارف القرآنیة والإسلامیة، وبدیهی أنّ تعطیل هذه البرامج الدینیة یفضی إلى خسارة کبیرة للمسلمین.

على أیّة حال فهذه اُمور عرفیة لا یتوهم أی مسلم أنّ الله تعالى أو رسوله الکریم(صلى الله علیه وآله) قد أمر بها. وبعبارة اُخرى أنّ هذه الاُمور التی هی لیست من الدین لا تعتبر من الدین.

وعلى هذا الأساس لا یمکن اعتبارها بدعة: «وأنّ کُلُّ بِدعَة ضَلالَةٌ»، وبالتالی التصدی لها ومحاربتها.

3 ـ وهناک نوع آخر من البدعة هی البدعة الحرام التی أشرنا إلیها سابقاً، وهی الجرأة على حریم الدین ووضع قانون مخالف للقوانین الدینیة أو زیادة قانون علیها أو حذف قانون منها بدون مسوغ شرعی ولا دلیل علیه من النصوص الشریفة.

ولکن المتعصبین الوهابیین وبسبب قلّة معلوماتهم فی دائرة الفقه الإسلامی وعلم الاُصول لم یتمکنوا من التمییز بین هذه الأنواع الثلاثة فی البدعة وتورطوا فی منزلقات الوهم والخطأ وأخذوا یتهمون اخوتهم المسلمین بالبدعة، وبالتالی اتهموهم بالشرک والمروق من الدین.

ننهی هذا البحث بکلام للعالم الفقیه «محمد بن علوی المالکی» وهو من العلماء الکبار و المدرسین المعروفین فی المسجد الحرام.

فقد ذکر فی کتابه «مفاهیم یجب أن تصحح» فی بحث البدعة تحت عنوان «البدعة الحسنة والسیئة» کلاماً خلاصته ما یلی:

إنّ بعض الجهّال المتعصبین الذین یعیشون ضیق الاُفق نسبوا أنفسهم بدون مسوغ، للسلف الصالح وأخذوا بمخالفة کل أمر جدید واختراع مفید بعنوان أنّه بدعة وکل بدعة ضلالة، دون أنّ یمیزوا بین البدع والاُمور الجدیدة، ودون أن یعرفوا البدعة الحسنة والسیئة، إنّ التمییز بینهما یفرضه العقل السلیم والفکر الصائب وقد أقرّه بعض کبار علماء الاُصول مثل «النووی» و«السیوطی» و«ابن حجر» و«ابن حزم».

وعندما نضم الأحادیث النبویة بعضها إلى بعض ونتحرک على مستوى تفسیرها وفهم المراد منها فسنصل إلى هذه النتیجة بالذات.

ومن جملة الأحادیث ما ورد من أنّ «کلّ بدعة ضلالة» الناظر إلى البدع السئیة التی لا تدخل تحت أی أصل من اُصول الشریعة.

 

ثم یضیف: إنّ البدعة بمعناها اللغوی «تعنی التجدید» لیست حراماً، وأمّا الحرام والضلالة فهی البدعة بمعناها الشرعی، وهی إضافة ما لیس من الدین بحیث یتخذ لنفسه صبغة دینیة وشرعیة ویؤخذ على أساس أنّه أمر شرعی منسوب لصاحب الشریعة ویعمل به المسلم من هذا الموقع.

وأمّا البدعة الدنیویة وهی أنواع الابداعات المتعلقة باُمور الدنیا فلیست حراماً أبداً.

وعلیه فإنّ تقسیم البدعة إلى: حسنة وسیئة، ناظر إل المعنى اللغوی، وأمّا البدعة الشرعیة فلیس لها إلاّ نوع واحد، وهو البدعة الحرام، فإذا أدرک المخالفون لهذا التقسیم مفهوم «المقسم» فسوف لا یخالفونه اطلاقاً ویعلمون أنّ النزاع لفظی فی هذه الموارد.

أجل، فإنّ من بین البدع الدنیویة اُموراً مفیدة جدّاً لابدّ من قبولها والترحیب بها، وهناک اُمور أیضاً لیس فیها سوى الشر والفساد(17)(إشارة لبعض أشکال التحلل الاجتماعی والانحطاط الخلقی).

 

 

 


1. سورة آل عمران، الآیة 169.
2. سورة النمل، الآیة 80.
3. سورة الأحزاب، الآیة 56.
4. سورة الحجرات، الآیة 2.
5. سورة غافر، الآیة 60.
6. تنزیه الاعتقاد.
7. سورة الجن، الآیة 18.
8. سورة الرعد، الآیة 14.
9. سورة الاعراف، الآیة 194.
10. سورة نوح، الآیتان 5 و 6.
11. سورة النحل، الآیة 125.
12. سورة البقرة، الآیة 282.
13. سورة الإسراء، الآیة 56.
14. سورة البقرة، الآیة 61.
15. قصة الحضارة، ویل دیورانت، ج 16، ص 146.
16. مسند أحمد، ج4، ص 126; مستدرک، ج1، ص 97; سنن البیهقی، ج 10، ص 114; سنن ابن ماجة، ج1، ص 16اً ومعجم الطبرانی، ج 1، ص 28.
17. مفاهیم یجب أن تصحّح، ص 102 وما بعدها.
نقد ودراسةالسید محمد بن علوی ونقده الواضح
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma