من المعلوم أنّ الأماکن المشرفة وخاصة بیت الله الحرام و مسجد النبى(صلى الله علیه وآله) تتعلق بجمیع المسلمین فی العالم:

یقول تعالى: (جَعَلَ اللهُ الْکَعْبَةَ الْبَیْتَ الْحَرَامَ قِیَاماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْىَ وَالْقَلاَئِدَ ذَلِکَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ یَعْلَمُ مَا فِی السَّمَوَاتِ وَمَا فِی الاَْرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِکُلِّ شَیْء عَلِیمٌ)(1).

إنّ جمیع المسلمین متساوون فی حق الانتفاع ببیت الله الحرام (سَوَاءً الْعَاکِفُ فِیهِ وَالْبَادِ...)(2)، وعلى هذا الأساس فإنّ أولیاء الکعبة یجب علیهم توفیر الأمن والنظم والوسائل اللازمة لزوار بیت الله، لا أن یجعلوا من هذا المکان الشریف مرکزاً لدعوة الناس إلى مذهبهم وفرض عقیدتهم على الآخرین.

لا یحق لهؤلاء تحمیل قراءتهم الخاصة المخالفة لاجتهاد علماء الإسلام فی سائر البلاد الإسلامیة فی مسائل العقائد، على الآخرین، فحتى فی بدء بزوغ شمس الاسلام لم تکن وظیفة أولیاء الکعبة أکثر من ذلک کما یشیر القرآن الکریم إلى هذا المعنى: (أَجَعَلْتُمْ سِقَایَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ...)(3).

وعلیه فلو کانت لدى علماء هذا البلد الإسلامی رؤیة خاصة وقراءة معینة فی مسألة التوحید فلا یحق لهم تحمیل هذه الرؤیه على الآخرین. ولا سیما أنّ الآخرین لدیهم علماء ومفکرون کثیرون یرون بطلان هذه الرؤیة.

وعلى سبیل المثال مسألة طلب الشفاعة من رسول الله(صلى الله علیه وآله)، فهذه الفرقة ترى کفر من یعتقد بهذه المفردة، ولکن الآخرین یرونها عین التوحید.

أو أنّهم یرون أمراً معیناً «بدعة» بینما یراه علماء آخرون «سنّة».

إنّ الوهابیین، وأی فرقة اُخرى، لا یحق لهم فرض أفکارهم وعقائدهم الخاصة للدین على الآخرین لان المجتهد حرّ فی آرائه.

ونؤکّد هنا أنّ علیهم الاهتمام بالنظم وتحقیق الأمن والرفاه فی هذه الأماکن المقدّسة لا أن یجعلوا منها منابر للدعوة إلى مذهبهم.

واللطیف أنّ ملک المملکة العربیة السعودیة یصف نفسه بأنّه «خادم الحرمین الشریفین» لا «حاکم الحرمین الشریفین»، إذن فلماذا یرى بعض علماء الوهابیة السلفیون أنفسهم «حاکمین على الحرمین الشریفین» رغم أنّهم یعتقدون بوجوب اطاعة ولاة الأمر؟

نعم لا شک فی أنه یجب منع ما أجمع على حرمته علماء الإسلام جمیعاً.

وخلاصة الکلام أنّ تحمیل فکرة معینة أو فرض عقیدة خاصة من قبل جماعة صغیرة ولیست بالمستوى المطلوب من الناحیة العلمیة على أکثریة المسلمین لا یتوافق مع أی منطق سلیم، ولکنّ السلفیین المتعصبین یستخدمون أشنع الأسالیب فی عملیة فرض عقیدتهم على الآخرین، وهذا ما یؤسف له حقاً.

1. سورة المائدة، الآیة 97.
2. سورة الحج، الآیة 25.
3. سورة التوبة، الآیة 19.