القسم وکفّارته

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
لاتتجاوزوا الحدود!سورة المائدة / الآیة 90 ـ 92

فی هذه الآیة والآیات التّالیة لها مجموعة من الأحکام الإسلامیة المهمّة، بعضها یشرّع لأوّل مرّة، وبعض آخر جاء توکیداً وتوضیحاً لأحکام سابقة وردت فی آیات اُخرى من القرآن، لأنّ هذه السورة ـ کما سبق أن قلنا ـ نزلت فی أواخر عمر رسول الله (صلى الله علیه وآله)فکان لابدّ من التأکید فیها على أحکام اسلامیة مختلفة.

فی الآیة الاُولى إشارة إلى قیام بعض المسلمین بتحریم بعض النعم الإلهیّة، فنهاهم الله عن ذلک قائلا: (یا أیّها الذین آمنوا لا تحرموا طیبات ما أحل الله لکم ) (2).

إنّ ذکر هذا الحکم، مع أخذ سبب النّزول بنظر الاعتبار، قد یکون إشارة إلى أنّه إذا کان فی الآیات السابقة شیء من الثناء على فریق من علماء المسیحیة ورهبانها لتعاطفهم مع الحقّ والتسلیم له، لا لترکهم الدنیا وتحریم الطیبات، ولیس للمسلمین أن یقتبسوا منهم ذلک، فبذکر هذا الحکم یعلن الإسلام صراحة إستنکار الرهبنة وهجر الدنیا کما یفعل المسیحیون والمرتاضون (ثمّة شرح أوفی لهذا الموضوع فی تفسیر الآیة 27 من سورة الحدید: (... ورهبانیة ابتدعوها )).

ثمّ لتوکید هذا الأمر تنهى الآیة عن تجاوز الحدود، لأنّ الله لا یحبّ الذین یفعلون ذلک (ولا تعتدوا إنّ الله لا یحبّ المعتدین ).

وفی الآیة التی تلیها تأکید آخر للأمر، إلاّ أنّ الآیة السابقة کان فیها نهی عن التحریم، وفی هذه الآیة أمر بالإنتفاع المشروع من الهبات الإلهیّة، فیقول: (وکلوا ممّا رزقکم الله حلالا طیباً ).

والشرط الوحید لذلک هو الإعتدال والتقوى عند التمتع بتلک النعم: (واتقوا الله الذی أنتم به مؤمنون ) أی إنّ إیمانکم بالله یوجب علیکم إحترام أوامره فی التمتع وفی الإعتدال والتقوى.

هناک احتمال آخر فی تفسیر هذه الآیة، وهو أنّ الأمر بالتقوى یعنی إنّ تحریم المباحات والطیبات لا یأتلف مع درجات التقوى المتکاملة الرفیعة، فالتقوى تستلزم أن لا یتجاوز الإنسان حدّ الإعتدال من جمیع الجهات.

والآیة التی بعدها تتناول القسم الذی یقسم به الإنسان فی حالة تحریم الحلال وفی غیره من الحالات بشکل عام، ویمکن القول أنّ القسم نوعان:

فالاُولى: هو القسم اللغو، فیقول: (لا یؤاخذکم الله باللغو فی أیمانکم ).

فی تفسیر الآیة 225 من سورة البقرة ـ التی تتناول موضوع عدم وجود عقاب على اللغو فی الأیمان ـ قلنا: إنّ المقصود باللغو فی الأیمان ـ کما یقول المفسّرون والفقهاء ـ الأیمان التی لیس لها هدف معیّن ولا تصدر عن وعی وعزم إرادی، وإنّما هی قسم یحلف به المرء من غیر تمعّن فی الأمر فیقول: والله وبالله، أو لا والله ولا بالله، أو إنّه فی حالة من الغضب والهیاج یقسم دون وعی. (3)

ویقول بعضهم: إنّ الإنسان إذا کان واثقاً من أمر فاقسم به، ثمّ ظهر أنّه قد أخطأ، فقسمه ـ یعتبر أیضاً ـ من نوع اللغو فی الأیمان، کأن یتیقن أحدهم من خیانة زوجته على أثر سعایة بعض الناس ووشایتهم، فیقسم على طلاقها، ثمّ یتّضح له أنّ ما سمعه بحقّها کان کذباً وافتراء، فإنّ قسمه ذاک لا اعتبار له، إنّنا نعلم أیضاً أنّه بالإضافة إلى توفّر القصد والإرادة والعزم فی القسم الجاد، یجب أن یکون محتواه غیر مکروه وغیر محرم، وعلیه إذا أقسم أحدهم مختاراً أن یرتکب عملا محرماً أو مکروهاً، فإنّ قسمه لا قیمة له ولا یلزمه الوفاء به، ویحتمل أن یکون مفهوم «اللغو» فی هذه الآیة مفهوماً واسعاً یشمل هذا النوع من الأیمان أیضاً.

والقسم الثّانی: هو القَسَم الجاد الإرادی الذی قرره المرء بوعی منه، هذا النوع من القسم هو الذی یعاقب علیه الله إذا لم یف به الإنسان: (ولکن یؤاخذکم بما عقدتم الأیمان ).

کلمة «العقد» تعنی فی الأصل ـ کما قلنا فی بدایة سورة المائدة ـ جمع أطراف الشیء جمعاً محکماً.

ومنه تسمیة ربط طرفی الحبل بـ«العقدة» ثمّ انتقل هذا المعنى إلى الاُمور المعنویة، فأطلق على کل إتفاق وعهد اسم العقد، فعقد الأیمان ـ کما فی الآیة ـ یعنی التعهّد بکلّ جدّ وعزم وتصمیم على أمر ما بموجب القسم.

بدیهی أنّ الجد وحده فی القسم لا یکفی لصحته، بل لابدّ أیضاً من صحة محتواه ـ کما قلنا ـ وأن یکون أمراً مباحاً فی الأقل، کما لابدّ من القول بأنّ القسم بغیر اسم الله لا قیمة له.

وعلیه إذا أقسم إمرؤ بالله أن یعمل عملا محموداً، أو مباحاً على الأقل، فیجب علیه أن یعمل بقسمه، فإن لم یفعل، فعلیه کفارة التخلّف.

وکفارة القسم هی ما ورد فی ذیل الآیة المذکورة، وهی واحدة من ثلاثة:

الاُولى: (فکفارته إطعام عشرة مساکین )، ولکیلا یؤخذ هذا الحکم على إطلاقه بحیث یصار إلى أىّ نوع من الطعام الدنیء والقلیل، فقد جاء بیان نوع الطعام بما لا یقل عن أوسط الطعام الذی یعطى لأفراد العائلة عادة: (من أوسط ما تطعمون أهلیکم ).

ظاهر الآیة یدل على النوعیة المتوسطة، ولکن یحتمل أنّه إشارة إلى الکمیّة والکیفیة کلیهما، فقد جاء عن الإمام الصادق (علیه السلام) أنّه الحد الوسط من الکیفیة، وعن الإمام الباقر (علیه السلام)

أنّه الحدّ الوسط من الکمیّة، الأمر الذی یدل على أنّ المطلوب هو الحد الوسط من کلیهم (4).

ولا حاجة للقول بأنّ «الحدّ الوسط» سواء فی الکمیّة أو الکیفیة، یختلف باختلاف المدن والقرى والأزمنه.

وقد احتمل بعضهم تفسیراً آخر للأوسط، وهو أنّه یعنی الجیّد الرفیع، وهما من معانی «الأوسط» کما نقرأ فی الآیة 28 من سورة القلم: (قال أوسطهم ألم أقل لکم لولا تسبحون ).

الثّانیة: (أو کسوتهم ).

من الطبیعی أنّ ذلک یعنی الملابس التی تغطّی الجسم حسب العادة، لذلک ورد فی بعض الرّوایات أنّ الإمام الصادق (علیه السلام) بیّن أنّ المقصود بالکسوة فی هذه الآیة قطعتا اللباس (الثوب والسروال)، أمّا الروایة المنقولة عن الإمام الباقر (علیه السلام) بأنّ ثوباً واحداً یکفی، فربّما تکون إشارة إلى الثوب العربی الطویل المعروف والذی یکسو الجسم کلّه، أمّا بشأن النسوة فلا شک أنّ ثوباً واحداً لا یکفی، بل لابدّ من غطاء للرأس والرقبة، وهذا هو الحدّ الأدنى لکسوة المرأة لذلک لا یستبعد أن تکون الکسوة التی تعطى کفارة تختلف أیضاً باختلاف الفصول (5)والأمکنة والأزمنة.

أمّا من حیث الکیفیة، وهل یکفی الحد الأدنى، أم ینبغی مراعاة الحد الأوسط؟ فإنّ للمفسرین رأیین فی ذلک:

إنّ کل کسوة تکفی إذا أخذت الآیة على إطلاقها.

إنّه ما دمنا قد راعینا الحدّ الأوسط فی الإطعام، فلابدّ أن نراعی هذا الحد فی الکساء أیضاً، غیر أنّ الرأی الأوّل أکثر إنسجاماً مع إطلاق الآیة.

الثّالثة: (أو تحریر رقبة ).

وهناک بحث بین الفقهاء عن الرقبة، هل یشترط فیها الایمان والاسلام أو لایشترط وتفصیل البحث مذکور فی الکتب الفقهیة، وإن کانت الآیة مطلقة فی الظاهر.

وهذا ما یدل على أنّ الإسلام یتوسّل بطرق مختلفة لتحریر العبید، أمّا فی الوقت الحاضر حیث یبدو أنّه لا وجود للرق، فإنّ على المسلمین أن یختاروا واحدة من الکفارتین المتقدّمتین.

لیس ثمّة شک فی أنّ هذه المواضیع الثلاثة متباینة من حیث قیمتها تبایناً کبیراً، ولعلّ القصد من هذا التباین هو حریّة الإنسان فی اختیار الکفارة التی تناسبه وتناسب إمکاناته المادیة.

ولکن قد یوجد من لا قدرة له على أیّ منها، لذلک فإنّه بعد بیان تلک الأحکام یقول سبحانه وتعالى: (فمن لم یجد فصیام ثلاثة أیّام ).

إذن، فصیام ثلاثة أیّام مقصور على الذین لا قدرة لهم على تحقیق أىّ من الکفارات الثلاث السابقة، ثمّ یؤکّد القول ثانیة: (ذلک کفارة أیمانکم إذا حلفتم ).

ومع ذلک، فلکی لا یظن أحد أنّه بدفع الکفارة یجوز للمرء أن یرجع عن قَسَم صحیح أقسمه، یقول تعالى: (واحفظوا أیمانکم ).

وبعبارة اُخرى: إنّ الالتزام بالقَسَم واجب تکلیفی، وعدم تنفیذه حرام، والکفارة تأتی بعد الرجوع عن القَسَم.

فی ختام الآیات یبیّن القرآن أنّ هذه الآیات توضّح لکم الأحکام التی تضمن سعادة الفرد والمجتمع وسلامتها لتشکروه على ذلک: (کذلک یبیّن الله لکم آیاته لعلکم تشکرون ).


1. ما ذکر أعلاه فی سبب النّزول، قسم منه مأخوذ من تفسیر علی بن إبراهیم، ج 1، ص 179 و180 وقسم من تفسیر مجمع البیان، ذیل الآیة مورد البحث. وتفاسیر اُخرى.
2. فی معنى «الحلال» و«الطیب» أنظر ذیل الآیة 172 من سورة البقرة من هذا التّفسیر.
3. اصول الکافی، ج 7، ص 443.
4. تفسیر نورالثقلین، ج 1، ص 666; وتفسیر البرهان، ج 1، ص 496.
5. ثمّة حدیث بهذا الشأن عن الإِمام الباقر (علیه السلام) أو الإِمام الصادق (علیه السلام) أنظر تفسیر البرهان، ج 1، ص 496.

 

لاتتجاوزوا الحدود!سورة المائدة / الآیة 90 ـ 92
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma