بملاحظة ما ذکرناه فی سبب النزول یتّضح تفسیر هذه الآیة والمراد منها، کما یتّضح الجواب أیضاً على السؤال المطروح هنا، وهو: لماذا تبتدىء الآیة بذکر الیتامى، وتنتهی بمسألة الزواج، ویرتفع ما قد یتوهم من المنافاة بین تلک البدایة، وهذه النهایة، فالبدایة
والنهایة کلتاهما تتعلقان بمسألة الزواج، غایة ما فی الأمر أنّ الآیة تقول: إذا لم یمکنکم الزواج بالیتیمات ومعاشرتهنّ على أساس من العدل والقسط فالأفضل أن تترکوا الزواج بهنّ، وتتزوجوا بغیرهنّ من النساء تجنباً لظلم الیتیمات والإجحاف بحقوقهنّ، والجور علیهنّ.
فالذی یستفاد من جوّ الآیة ـ وإن اختلفت وجهات نظر المفسرین وکثرت أقوالهم وتعددت فی المراد منها ـ هو ما ذکرناه فی سبب النزول، وهو أنّ الخطاب موجّه إلى أولیاء الیتیمات اللاّتی جاء الحثّ فی الآیة السابقة على حفظ أموالهنّ ضمن الیتامى.
فهذه الآیة تعلیم آخر ووصیة اُخرى بهم، ولکنّها هذه المرّة تتعلق بمسألة الزواج بالیتیمات، وإنّ على أولیائهنّ أن یعاملوهنّ فی مسألة الزواج على أساس من العدل والقسط کما یعاملونهنّ فی مسألة المال، فعلیهم أن یراعوا فی أمر الزواج مصلحة الیتیمة، وإلاّ فمن الأحسن أن یَدَعوا الزواج بهنّ، ویختاروا الأزواج من غیرهنّ من النساء.
هذا وممّا یؤید ویوضح هذا التّفسیر ما جاء فی الآیة 127 من نفس هذه السّورة حیث حثّ سبحانه على التزام العدل فی الزواج بالیتیمات، وسیأتی تفصیل ذلک فی محله.
کما أنّ ثمّة أحادیث نقلت فی الکتب المختلفة تشهد بهذا الإتجاه، وتؤید هذا التّفسیر.
وما نقل عن الإمام علی (علیه السلام) من الأخبار بسقوط أو حذف شیء کثیر من القرآن بین مطلع هذه الآیة، (1) ونهایتها غیر معتبر من حیث السند أصلا، فهذه الأحادیث وما یشابهها من الأحادیث التی تدل على حذف شیء من الآیات القرآنیة وإسقاطها أو وقوع التحریف فیه إمّا أنّها من موضوعات أعداء الإسلام وخصومه والمنافقین بغیة الحط من اعتبار القرآن وأهمّیته ومکانته، وإمّا لأنّها ناشئة من عجز البعض عن التوفیق بین صدر الآیة وذیلها وفهم الإرتباط الطبیعی بینهما، ولهذا توهّموا بأنّ هناک حذفاً وإسقاطاً وقد تطور هذا الوهم حتى اتّخذ صورة الحدیث المروی والخبر المنقول، فی حین یتّضح الإرتباط الوثیق بین هذه الجمل والعبارات بالتأمل والتدبر والإمعان.
1. بحارالانوار، ج 89، ص 47; واحتجاج طبرسی، ج 1، ص 254.
