التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة المائدة / الآیة 65 ـ 66 سورة المائدة / الآیة 67

بعد أن وجّهت الآیات السابقة النقد لنهج واُسلوب أهل الکتاب، جاءت هاتان الآیتان وفقاً لما تقتضیه مبادىء التربیة الإنسانیة لتفتحا باب العودة والتوبة أمام المنحرفین من أهل الکتاب، لکی یعودوا إلى الطریق القویم، ولتریهم الدرب الحقیقی الذی یجب أن یسیروا فیه، ولتثمّن دور تلک الأقلیة من أهل الکتاب التی عاشت فی ذلک العصر لکنّها لم تواکب الأکثریة فی أخطائها، فتقول الآیة الاُولى فی البدء: (ولو أنّ أهل الکتاب آمنوا واتقوا لکفرنا عنهم سیئاتهم ).

بل ذهبت إلى أبعد من هذا فوعدتهم بالجنّة ونعیمها، إذ قالت: (ولأدخلناهم جنّات النعیم ) وهذه إشارة إلى النعم المعنویة الأخرویة.

ثمّ تشیر الآیة الثّانیة إلى الأثر العمیق الذی یترکه الإیمان والتقوى، فی الحیاة الدنیویة للإنسان، فتؤکّد أنّ أهل الکتاب لو طبّقوا التّوراة والإنجیل وجعلوهما منهاجاً لحیاتهم وعملوا بکلّ ما نزل علیهم من ربّهم، سواء فی الکتب السماویة السابقة أم فی القرآن، دون تمییز أو تطرّف لغمرتهم النعم الإلهیّة من السماء والأرض، فتقول الآیة: (ولو أنّهم أقاموا التّوراة والإنجیل وما أنزل إلیهم من ربّهم لأکلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم ).

وبدیهی أنّ المراد من إقامة التّوراة والإنجیل هو إتّباعهم لما بقی من التّوراة والإنجیل الحقیقیین فی أیدیهم فی ذلک العصر، ولا یعنی اتّباع ما حرّف منهما والذی یمکن معرفته من خلال القرائن.

والمراد بجملة (ما أنزل إلیهم من ربّهم ) هو کل الکتب السماویة والأحکام الإلهیّة، لأنّ هذه الجملة یفهم منها الإطلاق، وهی فی الحقیقة إشارة إلى النهی عن خلط العصبیات القومیة بالوسائل الدینیة الإلهیّة، فلیس المهم کون هذا الکتاب عربیاً أو ذلک الکتاب یهودیاً، بل المهم هو الأحکام الإلهیّة الواردة فیهما وفی کلّ الکتب السماویة، أی إنّ القرآن أراد أن یطفىء ـ ما أمکنه ذلک ـ نار العصبیة القومیة عند هؤلاء، ویمهّد السبیل إلى التغلغل فی أعماق نفوسهم وقلوبهم، لذلک فالضمائر الواردة فی هذه الآیة تعود إلى أهل الکتاب وهی: (إلیهم، من ربّهم، من فوقهم، ومن تحت أرجلهم) وما ذلک إلاّ لکی یترک هؤلاء عنادهم وصلفهم، ولکی لا یتصوّروا أنّ الخضوع والإستسلام أمام القرآن یعنی استسلام الیهود للعرب، بل هو استسلام وخضوع لربّهم العظیم.

ولا شک أنّ المراد باقامة التّوراة والإنجیل هو العمل بالمبادىء السماویة الواردة فیهما، لأنّ جمیع المبادىء والتعالیم کما أسلفنا سابقاً ـ التی جاء بها الأنبیاء أینما کانوا ـ واحدة لا فرق بینها غیر الفرق بین الکامل والأکمل، ولا یتنافی هذا مع النسخ الذی ورد فی بعض الأحکام الواردة فی الشریعة اللاحقة لأحکام وردت فی شریعة سابقة.

ومجمل القول هو أنّ الآیة الأخیرة تؤکّد مرّة اُخرى هذا المبدأ الأساسی القائل بأنّ اتّباع التعالیم السماویة التی جاء بها الأنبیاء، لیس لإعمار الحیاة الآخرة التی تأتی بعد الموت فحسب، بل إنّ لها ـ أیضاً ـ انعکاسات واسعة على الحیاة الدنیویة المادیة للإنسان، فهی تقوّی الجماعات وتعزز صفوفها وتکثّف طاقاتها، وتغدق علیها النعیم وتضاعف امکانیاتها وتضمن لها الحیاة السعیدة المقترنة بالأمن والإستقرار.

ولو ألقینا نظرة على الثروات الطائلة والطاقات البشریة الهائلة التی تهدر الیوم فی عالم الإنسان نتیجة للانحراف عن هذه التعالیم، فی صنع وتکدیس أسلحة فتّاکة، وفی صراعات لا مبرر لها ومساع هدّامة، لرأینا أنّ ذلک کلّه دلیل حیّ على هذه الحقیقة، حیث إنّ الثروات التی تستخدم لإشاعة الدمار فی هذا العالم ـ إذا أمعنا النظر جیّداً ـ إن لم تکن أکثر حجماً من الثروات التی تنفق فی سبیل البناء، فهی لیست بأقلّ منها.

إنّ العقول المفکّرة التی تسعى وتعمل جاهدة ـ الیوم ـ لإکمال وتوسیع انتاج الأسلحة الحربیة، ولتوسیع بقعة النزاعات الاستعماریة، إنّما تشکّل جزءاً مهمّاً من الطاقات البشریة الخلاّقة التی طالما احتاجها المجتمع البشری لرفع احتیاجاته، وکم سیصبح وجه الدنیا جمیلا وجذّاباً لو کانت کل هذه الطاقات تستغل فی سبیل الإعمار؟

وجدیر بالإنتباه ـ هنا أیضاً ـ إلى أنّ عبارتی (من فوقهم ) و (من تحت أرجلهم )الواردتان فی الآیة الأخیرة، معناهما أنّ نعم السماء والأرض ستغمر هؤلاء المؤمنین، کما یحتمل أن تکونا کنایة عن النعم بصورة عامّة کما ورد فی الآثار الأدبیة العربیة وغیرها قولهم: (إنّ فلاناً غرق فی النعمة من قمّة رأسه حتى أخمص قدمه).

کما أنّ هذه الآیة تعدّ جواباً على أحد أقوال الیهود الذی ورد ذکره فی الآیات السابقة، حیث تؤکّد أنّ سبب انقطاع نعم الله عنهم، لیس هو ما زعموه من أنّ ذات الله المقدّسة المنزّهة قد شابها البخل (والعیاذ بالله) أو أنّ یده أصبحت مغلولة، بل لأنّ أعمالهم الخبیثة قد انعکست آثارها فی حیاتهم المادیة والمعنویة فسوّدتهما، فإن لم یتوبوا لن ینقذهم الله من آثار هذه الأعمال.

وفی الختام تشیر الآیة الکریمة إلى الأقلیة الصالحة من أهل الکتاب الذین اختاروا طریق الإعتدال فی حیاتهم خلافاً لنهج الأغلبیة المنحرفة، فعزل الله حسابهم عن حساب هذه الأکثریة الضالة، حیث تقول الآیة: (منهم اُ مّة مقتصدة وکثیر منهم ساء ما یعملون ).

وقد وردت عبارات مشابهة عن الأقلیة الصالحة من أهل الکتاب، فی الآیتین 159 و181 من سورة الأعراف، والآیة 75 من سورة آل عمران.

 

سورة المائدة / الآیة 65 ـ 66 سورة المائدة / الآیة 67
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma