إنّ الروایات العدیدة التی وردت عن طرق الشیعة والسنّة تفید بوضوح أنّ التوسل بالمعنى الذی عرضناه لا ریب ولا شبهة فیه، بل إنّه یعد عملا جیداً أیضاً، وهذه الرّوایات کثیرة وقد نقلتها کتب عدیدة، ونحن نورد بعضاً منها ممّا ورد فی مصادر جمهور السنّة على سبیل المثال لا الحصر.
1ـ جاء فی کتاب «وفاء الوفا» لمؤلّفه العالم السنّی المشهور «السمهودی» إن طلب العون والشفاعة من النّبی (صلى الله علیه وآله) أو التوسل إلى الله بجاه النّبی وشخصه جائز قبل أن یولد (صلى الله علیه وآله) وبعد ولادته ووفاته وفی عالم البرزخ وفی یوم القیامة، ثمّ ینقل «السمهودی» فی هذا المجال عن عمر بن الخطاب الروایة المعروفة التی تتحدث عن توسل آدم (علیه السلام) إلى الله بنبی الإسلام محمّد (صلى الله علیه وآله) وذلک لعلم آدم بأنّ هذا النّبی سیأتی إلى الوجود فی المستقبل، ولعلمه بالمنزلة العظیمة التی یحظى بها عند الله، فیقول آدم: «ربّ إنّی أسألک بحق محمّد لما غفرت لی» (1).
ثمّ ینقل «السمهودی» حدیثاً آخر عن جماعة من رواة الحدیث کالنسائی والترمذی، وهما عالمان مشهوران من أهل السنّة، کدلیل على جواز التوسل بالنّبی (صلى الله علیه وآله) فی حیاته وخلاصة هذا الحدیث إنّ رجلا بصیراً طلب من النّبی أن یدعو له بشفاء مریضه، فأمره النّبی (صلى الله علیه وآله) بتلاوة هذا الدعاء: «اللّهم إنّی أسألک وأتوجه إلیک بنبیّک محمّد نبیّ الرّحمة یا محمّد إنّی توجهت بک إلى ربّی فی حاجتی لتقضى لی، اللّهم شفّعه فیّ» (2).
وبعد هذا الحدیث ینقل «السمهودی» حدیثاً ثالثاً فی جواز التوسل بالنّبی (صلى الله علیه وآله) بعد وفاته، فیذکر أنّ صاحب حاجة جاء فی زمن عثمان إلى قبر النّبی (صلى الله علیه وآله)، فجلس بجوار القبر ودعا الله بهذا الدعاء: «اللّهم إنّی أسألک وأتوجه إلیک بنبیّنا محمّد (صلى الله علیه وآله) نبی الرحمة، یا محمّد إنّی أتوجه بک إلى ربّک أن تقضی حاجتی».
ثمّ یضیف «السمهودی» إنّه لم تمض فترة حتى قضیت حاجة الرجل (3).
2ـ أمّا صاحب کتاب «التوصل إلى حقیقة التوسل» الذی یعارض بشدة موضوع التوسل فهو ینقل 26 حدیثاً من کتب ومصادر مختلفة ینعکس منها جواز التوسل، ومع أنّه سعى فی أن یطعن بإسناد تلک الأحادیث، إلاّ أنّ الواضح هو أنّه متى ما کانت الروایات کثیرة ـ فی موضوع معین لدرجة التواتر ـ لا یبقى عند ذلک مجال للطعن، والتجریح فی سند الحدیث، والروایات التی وردت فی المصادر الإسلامیة بشأن التوسل قد تجاوزت حدّ التواتر لکثرتها.
ومن هذه الأحادیث التی رواها صاحب الکتاب المذکور، الحدیث التالی: نقل «ابن حجر المکی» صاحب کتاب «الصواعق» عن الإمام «الشافعی»، وهو أحد أئمّة السنّة الأربعة المشهورین، أنّه کان یتوسل إلى أهل بیت النّبی ویقول:
آل النّبی ذریعتی *** وهم إلیه وسیلتی
أرجو بهم أعطى غداً *** بید الیمین صحیفتی (4)
وینقل صاحب کتاب «التوصل...» أیضاً عن (البیهقی) أنّ الجفاف أصاب المسلمین فی أحد الأعوام من عهد الخلیفة الثّانی، فذهب بلال ومعه عدد من الصحابة إلى قبر النّبی (صلى الله علیه وآله)وقال: «یا رسول الله استسق لاُمتک... فإنّهم قد هلکوا...» (5).
ونقل أیضاً عن «ابن حجر» من کتاب «الخیارات الحسان» أنّ الإمام الشافعی کان أثناء وجوده فی بغداد یزور أباحنیفة ویتوسل إلیه فی حوائجه (6).
ومن صحیح «الدارمی» ینقل صاحب کتاب «التوصل...» أیضاً، أنّ بعض الصحابة فی المدینة اشتکوا إلى عائشة ما یعانونه من الجفاف الشدید الذی أصاب البلدة فی أحد الأعوام، فأشارت علیهم أن یفتحوا فجوة فی سقف المسجد على قبر النّبی (صلى الله علیه وآله) حتى ینزل الله المطر ببرکة قبر النّبی (صلى الله علیه وآله) ففعلوا ذلک ونزل مطر غزیر!
ونقل «الآلوسی» فی تفسیره الکثیر من الأحادیث والروایات الشبیهة بالأحادیث المارة الذکر، ولکنّه بعد إجراء تحلیل ونقاش طویل حولها حتى أنّه تشدد فی نقدها اضطر إلى الإذعان بها، فذکر أنّه بعد البحث الذی أجراه لا یرى مانعاً من التوسل إلى الله بمقام النّبی (صلى الله علیه وآله) سواء فی حیاته أو بعد وفاته، ثمّ أطال البحث فی هذا المجال، وقال بأنّ التوسل إلى الله بمقام غیر النّبی لا مانع فیه ـ أیضاً ـ شریطة أن یکون المتوسل به صاحب منزلة عند الله (7).
أما مصادر الشیعة فقد تناولت هذا الموضوع بشکل واضح، لا نرى معه أی حاجة إلى نقل الأحادیث الواردة بهذا الصدد.
1. وفاء الوفاء، ج 3، ص 1371; التوصل إلى حقیقة التوسل، ص 215، نقل الحدیث المذکور أعلاه کواحد من دلائل النبوة.
2. وفاء الوفاء، ج 3، ص 1372.
3. المصدر السابق، ص 1373.
4. التوصل إلى حقیقة التوسل، ص 329.
5. المصدر السابق، ص 253.
6. التوصل إلى حقیقة التوسل، ص 331.
7. تفسیر روح المعانی، ج 4، ص 114 ـ 115.
