التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة النساء / الآیة 131 ـ 134 سورة النساء / الآیة 135

لقد أوضحت الآیة السابقة أن إذا اقتضت الضرورة لزوجین أن ینفصلا عن بعضهما دون أن یجدا حلا بدیلا عن الانفصال فلا مانع من ذلک، ولیس علیهما أن یخافا من حیاة المستقبل، لأنّ الله سیشملهما بکرمه وفضله، ویزیل احتیاجتهما برحمته وبرکته.

أمّا فی الآیة ـ موضوع البحث ـ فإنّ الله یؤکّد قدرته على إزالة ورفع تلک الاحتیاجات، لأنّه مالک ما فی السموات وما فی الأرض (ولله ما فی السّماوات وما فی الأرض ) وإنّ من یملک ملکاً لا نهایة له کهذا الملک، ویملک قدرة لا نفاذ لها أبداً، لن یکون عاجزاً ـ مطلقاً ـ عن رفع احتیاجات خلقه وعباده.

ولکی تؤکّد الآیة ضرورة التقوى فی هذا المجال وفی أی مجال آخر، تشیر الآیة إلى أنّ الیهود والنصارى وکل من کان له کتاب سماوی قبل المسلمین قد طلب منهم جمیعاً کما طلب منکم مراعاة التقوى (ولقد وصینا الذین اُوتوا الکتاب من قبلکم وإیّاکم أَنِ اتَّقوا الله ).

بعد ذلک تتوجه الآیة إلى مخاطبة المسلمین، فتؤکّد لهم أنّ الالتزام بحکم التقوى سیجلب النفع لهم، وأن لیس لله بتقواهم حاجة، کما تؤکّد أنّهم إذا عصوا وبغوا، فإنّ ذلک لا یضرّ الله

أبداً، لأنّ اللّه هو مالک ما فی السّموات وما فی الارض، فهو غیر محتاج إلى أحد أبداً، ومن حقّه أن یشکره عباده دائماً وأبداً، (وإن تکفروا فإن لله ما فی السّماوات وما فی الأرض وکان الله غنیّاً حمیداً ).

الغنى وعدم الحاجة هما من صفات الله سبحانه وتعالى ـ حقیقة ـ لأنّه عزَّ وجلّ غنی بالذات، وارتفاع حاجات غیره وزوالها إنّما یتمّ بعونه ومدده، وکل المخلوقات محتاجة إلیه احتیاجاً ذاتیاً، لذلک فهو یستحق ـ لذاته ـ أن یشکره عباده ومخلوقاته، کما أنّ کمالاته التی تجعله أهلا للشکر لیست خارجة عن ذاته، بل هی کلّها فی ذاته، وهو لیس کالمخلوقات التی تمتلک صفاتاً کمالیة عرضیة خارجیة مکتسبة من الغیر.

وفی الآیة التالیة جرى التأکید ـ وللمرة الثّالثة ـ على أنّ کل ما فی السموات وما فی الأرض هو ملک لله، وأنّ الله هو الحافظ والمدبر والمدیر لکل الموجودات (ولله ما فی السّماوات وما فی الأرض وکفى بالله وکیلا ).

وقد یرد سؤال ـ هنا ـ عن سبب تکرار موضوع واحد لثلاث مرات وفی فواصل متقاربة جدّاً، وهل أنّ هذا التکرار من أجل التأکید على الأمر الوارد فی هذا الموضوع، أم هناک سرّ آخر؟

وبالإمعان فی مضمون الآیات یظهر لنا أنّ الموضوع المتکرر ینطوی فی کل مرّة على أمر خاص:

ففی المرّة الاُولى حیث تحمل الآیة وعداً لزوجین بأنّهما إذا انفصلا فإن الله سیغنیهما ولأجل إثبات قدرة الله على ذلک، یذکر الله ملکیته لما فی السموات وما فی الأرض.

أمّا فی المرّة الثّانیة فإنّ الآیة توصی بالتقوى، ولکی لا یحصل وهم بأنّ إطاعة هذا الأمر ینطوی على نفع أو فائدة لله، أو أن مخالفته ینطوی على الضرر له، فقد تکررت الجملة للتأکید على عدم حاجة الله لشیء، وهو مالک ما فی السموات وما فی الأرض.

وهذا الکلام یشبه فی الحقیقة ما قاله أمیرالمؤمنین علی (علیه السلام) فی مستهل خطبة الهمّام الواردة فی کتاب نهج البلاغة حیث قال (علیه السلام): «بأنّ الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حین خلقهم غنیّاً عن طاعتهم آمناً عن معصیتهم لأنه لا تضرّه معصیة من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه» (1).

 

ویذکر الله ملکیته لما فی السموات وما فی الأرض للمرّة الثّالثة کمقدمة للموضوع الذی یلی فی الآیة 133، ثمّ یبیّن ـ عز من قائل ـ أنّه لا یأبه فی أن یزیل قوماً عن الوجود، لیأتی مکانهم بقوم آخرین أکثر استعداداً وعزماً وأکثر دأباً فی طاعة الله وعبادته، والله قادر على هذا الأمر (إن یشأیذهبکم أیّها الناس ویأت بآخرین وکان الله على ذلک قدیراً ).

وفی تفسیر «التبیان» وتفسیر «مجمع البیان» نقلا عن النّبی (صلى الله علیه وآله) أنّه حین نزلت هذه الآیة ربت على کتف سلمان الفارسی وقال بأنّ المعنى بالآخرین فی الآیة هم قوم من العجم من بلاد فارس. (2)

وهذا الکلام ـ فی الحقیقة ـ تنبؤ بالخدمات الکبیرة التی قدمها المسلمون الإیرانیون إلى الإسلام.

والآیة الأخیرة من الآیات الأربع الماضیة، ورد الحدیث فیها عن اُناس یزعمون أنّهم مسلمون، ویشارکون فی میادین الجهاد، ویطبقون أحکام الإسلام، دون أن یکون لهم هدف إلهی، بل یهدفون لنیل مکاسب مادیة مثل غنائم الحرب فتنبه الآیة إلى أنّ الذین یطلبون الأجر الدنیوی یتوهمون فی طلبهم هذا، لأنّ الله عنده ثواب الدنیا والآخرة معاً (من کان یرید ثواب الدنیا فعند الله ثواب الدنیا والآخرة ).

فلماذا لا یطلب ـ ولا یرجو ـ هؤلاء، الثوابین معاً؟! والله یعلم بنوایا الجمیع، ویسمع کل صوت، ویرى کل مشهد، ویعرف أعمال المنافقین وأشباههم، (وکان الله سمیعاً یصیراً ).

وتکرر هذه الآیة الأخیرة حقیقة أنّ الإسلام لا ینظر فقط إلى الجوانب المعنویة والاُخرویة، بل ینشد لأتباعه السعادتین المادیة والمعنویة معاً.


1. نهج البلاغه، الخطبة 193.
2. تفسیر مجمع البیان، ج 3، ص 210، ذیل الآیة مورد البحث.

 

سورة النساء / الآیة 131 ـ 134 سورة النساء / الآیة 135
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma