بعد أنّ بحثت الآیات السابقة حول الأفراد الذین یقعون فریسة الذّل والمسکنة بسبب عدم إیفائهم بواجب الهجرة، تشرح الآیة الأخیرة بشکل صریح وحاسم أهمّیة الهجرة فی قسمین:
فی القسم الأوّل: تشیر هذه الآیة إلى نعم وبرکات الهجرة فی الحیاة الدنیا، فتقول إن الذی یهاجر فی سبیل الله إلى أی نقطة من نقاط هذه الأرض الواسعة، سیجد الکثیر من النقاط الآمنة الواسعة لیستقر فیها، ویعمل هناک بالحقّ ویرغم أنف المعارضین (ومن یهاجر فی سبیل الله یجد فی الأرض مراغماً کثیراً وسعة ).
ویجب الإلتفات إلى أنّ عبارة «مراغم» مشتقة من المصدر «رغام» على وزن «کلام» والذی یعنی التراب، والإرغام معناه التمریغ فی التراب والإذلال و«مراغم» صیغة لإسم المفعول واسم مکان أیضاً.
وقد وردت فی الآیة هذه بمعنى اسم مکان کذلک، أی إنّها المکان الذی یمکن فیه تحقیق الحق وتطبیقه والعمل به، کما یمکن فیه إدانة المعارضین للحق وتمریغ أنفهم بالتراب.
بعد ذلک تشیر الآیة فی القسم الثانی منها إلى الجانب المعنوی الاُخروی للهجرة: (ومن یخرج من بیته مهاجراً إلى الله ورسوله ثمّ یدرکه الموت فقد وقع أجره على الله وکان الله غفوراً رحیماً )، وعلى هذا الأساس فإنّ المهاجرین فی کل الأحوال سینالهم نصر کبیر، سواء وصلوا إلى المکان الذی یستهدفونه لیتمتعوا فیه بحریة العمل بواجباتهم، أو لم یصلوا إلیه
فیفقدوا حیاتهم فی هذا الطریق، وفی هذا المجال وعلى الرغم من بداهة حقیقة تلقی الصالحین أجرهم من الله سبحانه وتعالى، إلاّ أنّ الآیة موضوع البحث قد صرحت بهذا الأمر بقولها: (فقد وقع أجره على الله... ) وهذا یوضح مدى عظمة وأهمیّة الثواب والأجر الذی یناله المهاجرون.