التّفسیر

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة المائدة / الآیة 75 ـ 77 سورة المائدة / الآیة 78 ـ 80

تواصل هذه الآیات البحث الذی جاء فی الآیات السابقة حول غلو المسیحیین فی المسیح (علیه السلام) واعتقادهم بألوهیته، فتفنّد فی بضع آیات قصار اعتقادهم هذا، وتبدأ متسائلة عمّا وجدوه فی المسیح من اختلاف عن باقی الأنبیاء حتى راحوا یؤلّهونه، فالمسیح ابن مریم قد بعثه الله کما بعث سائر الأنبیاء من قبله:(ما المسیح ابن مریم إلاّ رسول قد خلت من قبله الرسل).

إذا کان بعثه من قبل الله سبباً للتألیه والشرک، فلماذا لا تقولون القول نفسه بشأن سائر الأنبیاء؟

ولکنّنا نعلم أنّ المسیحیین المنحرفین لا یقنعون باعتبار عیسى (علیه السلام) مجرّد مبعوث من الله، فاعتقادهم العام فی الوقت الحاضر هو اعتباره ابن الله، وأنّه هو الله بمعنى من المعانی وأنّه جاء لیفتدی ذنوب البشر (ولم یأت لهدایتهم وقیادتهم) لذلک أطلقوا علیه اسم «الفادی» أی الذی افتدى بنفسه آثام البشر.

ولمزید من التوکید، یقول: (واُ مّه صدیقة ) أی إنّ من تکون له اُمّ حملته فی رحمها، ومن

یکون محتاجاً إلى کثیر من الاُمور، کیف یمکن أن یکون إلهاً؟! ثمّ إذا کانت اُمّه صدیقة فذلک لأنّها هی أیضاً على خط رسالة المسیح (علیه السلام)، منسجمة معه، وتدافع عن رسالته، لهذا فقد کان عبداً من عباد الله المقربین، فینبغی ألاّ یتخذ معبوداً کما هو السائد بین المسیحیین الذین یخضعون أمام تمثاله إلى حدّ العبادة.

ومرّة اُخرى یشیر القرآن إلى دلیل آخر ینفی الربوبیة عن المسیح (علیه السلام)، فیقول: (کانا یأکلان الطعام ).

فهذا الذی یحتاج إلى الطعام، ولو لم یتناول طعاماً لعدّة أیّام یضعف عن الحرکة، کیف یمکن أن یکون ربّاً أو یقرن بالربّ؟!

وفی ختام الآیة إشارة إلى وضوح هذه الدلائل من جهة، وإلى عناد اُولئک وجهلهم من جهة اُخرى، فیقول: (انظر کیف نبیّن لهم الآیات ثمّ انظر أنّى یؤفکون ) (1).

تکرر کلمة «انظر» فی الآیة توجیه للنظر إلى جهتین: إلى الدلائل الواضحة الکافیة لکل شخص، وإلى رد الفعل السلبی المحیّر المثیر للعجب الصادر من هؤلاء.

ولکی یکمل الاستدلال السابق تستنکر الآیة التّالیة عبادتهم المسیح مع أنّهم یعلمون أنّ له احتیاجات بشریة، وإنّه لا قدرة له على دفع الضرر عن نفسه أو نفعها، فکیف یتسنى له دفع الضرر عن الغیر أو نفعهم؟ (قل أتعبدون من دون الله ما لا یملک لکم ضراً ولا نفعاً

فکثیراً ما تعرّض هو وأتباعه للأذى على أیدی أعدائهم، ولولا أنّ الله شمله بلطفه لما استطاع أن یخطو خطوة واحدة.

وفی النهایة یحذّرهم من أن یظنّوا أنّ الله لا یسمع ما یتقوّلونه أو لا یعلم ما یکنونه: (والله هو السمیع العلیم ).

ممّا یلفت النظر أنّ مسألة کون المسیح (علیه السلام) بشراً ذا حاجات مادیة جسمانیة ـ وهی ما یستند إلیها القرآن فی هذه الآیة وفی آیات اُخرى ـ کانت من أکبر المعضلات بوجه المسیحیین الذین یدّعون ألوهیته، فسعوا إلى تبریر ذلک بشتى الأسالیب، حتى أنّهم اضطروا أحیاناً إلى القول بثنائیة المسیح: اللاهوت والناسوت، فهو من حیث لاهوتیته ابن الله، بل هو الله نفسه ومن حیث ناسوتیته فهو جسم ومخلوق من مخلوقات الله، وأمثال ذلک من التبریرات التی هی خیر دلالة على ضعف منطقهم وخطئه.

لابدّ من الإلتفات أیضاً أنّ الآیة استعملت «ما» بمکان «من» والتی تشیر عادة إلى غیر العاقل، ولعلّ ذلک یفید الشمول بالنسبة للمعبودات والأصنام المصنوعة من الحجر أو الخشب، فیکون المقصود هو أنّه إذا جاز أن یعبد الناس مخلوقاً، جازت کذلک عبادتهم الأصنام، لأنّ هذه المعبودات تتساوى من حیث کونها جمیعاً مخلوقات، وأنّ تألیه المسیح (علیه السلام) ضرب من عبادة الأصنام، لا عبادة الإله.

الآیة التّالیة تأمر رسول الله (صلى الله علیه وآله) - بعد اتضاح خطأ أهل الکتاب فی الغلو - أن یدعوهم بالأدلة الجلیة إلى الرجوع عن السیر فی هذا الطریق: (قل یا أهل الکتاب لا تغلوا فی دینکم غیر الحقّ ) (2).

إنّ غلو النصارى معروف، إلاّ أنّ غلو الیهود، الذی یشملهم تعبیر (یا أهل الکتاب ) قد یکون إشارة إلى ما کانوا یقولونه عن العزیر وقد اعتبروه ابن الله، ولمّا کان الغلو ینشأ ـ أکثر ما ینشأ ـ عن إتّباع الضالین أهواءهم، لذلک یقول الله سبحانه (ولا تتبعوا أهواء قوم قدضلوا من قبل وأضلوا کثیراً وضلوا عن سواء السبیل ).

وفی هذا إشارة أیضاً إلى ما انعکس فی التّأریخ المسیحی، إذ أنّ موضوع التثلیث والغلو فی أمر المسیح (علیه السلام) لم یکن له وجود خلال القرون الاُولى من المسیحیة، ولکن عندما اعتنق بعض الهنود وأمثالهم من عبدة الأصنام المسیحیة أدخلوا فیها شیئاً من دینهم السابق، کالتثلیث والشرک.

إنّ الثالوث الهندی (الإیمان بالآلهة الثلاثة: برهما، وفیشنو، وسیغا)، کان تاریخیاً أسبق من التثلیث المسیحی الذی لا شک أنّه انعکاس لذاک، ففی الآیة 30 من سورة التوبة وبعد ذکر غلو الیهود والنصارى فی مسألة العزیر والمسیح (علیه السلام) یقول سبحانه (یضاهئون قول الذین کفروا من قبل ).

وقد وردت کلمة «ضلوا» فی هذه الآیة مرّتین بالنسبة للکفار الذین اقتبس منهم أهل الکتاب الغلو، ولعل هذا التکرار من باب التوکید، إذ أنّهم کانوا قبل ذلک من الضّالین، ثمّ لمّا أضلّوا الآخرین بدعاواهم وقعوا فی ضلال آخر، ومن یسعى لتضلیل الآخرین یکون أضلّ منهم فی الواقع، لأنّه یکون قد استهلک قواه لدفع نفسه ودفع الآخرین إلى طریق التعاسة ولحمل آثام الآخرین أیضاً على کاهله، وهل یرتضی المرء السائر على الطریق المستقیم أن یضیف إلى آثامه آثام غیره أیضاً؟


1.«یؤفکون» من مادة «الإفک» کلّ مصروف عن وجهه الذی یحق أن یکون علیه، و«المأفوک» المصروف عن الحقّ، وإن کان عن تقصیره، ومن هنا یسمّى إفکاً، لأنّه یصد الإنسان عن الحقّ.
2.«لا تغلو» من مادة «الغلو» وهی بمعنى تجاوز الحدّ، إلاّ أنّها تستعمل للإشارة الى تجاوز الحدّ بالنسبة لمقام شخص من الأشخاص ومنزلته، وبالنسبة للأسعار تستعمل کلمة «الغلاء» و«غلو» السهم على وزنة «دلو» ارتفاعه وتجاوزه مداه، وفی الماء یقال «غلیان» و«الغلواء» جموح فی الحیوان، وهی جمیعاً من أصل واحد، ویرى بعضهم أنّ الغلو یعنی الإفراط والتفریط معاً، ویحصر بعضهم معناه بالتفریط فقط، ویقابله التقصیر.

 

سورة المائدة / الآیة 75 ـ 77 سورة المائدة / الآیة 78 ـ 80
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma