مکائد الشّیطان

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الامثل 3
سورة النساء / الآیة 117 ـ 121 سورة النساء / الآیة 122

إنّ الآیة الاُولى ـ من مجموع الآیات الخمس الأخیرة ـ تشرح أوضاع المشرکین الذین أشارت إلیهم الآیة السابقة لهذه الأخیرة، وهذه الآیة إنّما تبیّن سبب ضلال المشرکین، فتذکر أنّهم یعانون من ضیق شدید فی أفق تفکیرهم، إذ یترکون عبادة الله خالق ومنشىء عالم الوجود الوسیع، ویخضعون أمام المخلوقات التی لا تملک أقل أثر إیجابی فی الوجود، بل هی ـ أحیاناً مضللة کالشّیطان: (إن یدعون من دونه إلاّ إناثاً وإن یدعون إلاّ شیطاناً مریداً ).

وممّا یلفت النظر أنّ هذه الآیة تحصر أصنام المشرکین بنوعین من المخلوقات هما «إناث» و«شیطان مرید».

وکلمة «إناث» مشتقة من المصدر «أنث» على وزن «أدب» وتعنی المخلوق الرقیق اللّطیف والمرن، ولهذا السبب فإنّ العرب تقول: «أنث الحدید» إذا لانّ فی النار، وقد سمی جنس المرأة بـ«الإناث» لأنّها أکثر رقّة ولطفاً ولیناً من الرجل.

لکن بعض المفسّرین یرى هنا ـ أنّ القرآن یشیر فی هذه الآیة إلى أصنام کانت معروفة

لدى قبائل العرب حیث انتخبت کل قبیلة صنماً من هذه الأصنام ووضعت له إسماً مؤنثاً. فالصنم «اللاّت» سمّی هکذا لیکون مؤنثاً لکلمة لفظ الجلالة «الله»، أمّا الصنم «عزى» فهو مؤنث کلمة «أعز» وکذلک أصنام اُخرى مثل «مناة» و«نائله» وأمثالها.

بینما یرى البعض الآخر من کبار المفسّرین أنّ القصد من کلمة «اناث» الواردة فی الآیة لیس المعنى المعروف بالمؤنث، بل إنّ القصد منها هو الجذر اللغوی الذی اشتقت منه هذه اللّفظة، أی أنّ المشرکین یعبدون مخلوقات ضعیفة ومطاوعة بین یدی الإنسان، وأنّ وجود هذه المخلوقات بکاملها قابل للتأثر والانحناء أمام الأحداث، وبعبارة أوضح: أنّها موجودات لا تملک الإرادة والاختیار ولا تنفع ولا تضرّ شیئاً أبداً.

أمّا کلمة «مرید» وهی من حیث الجذر اللغوی مأخوذة من مادة «مرد» بمعنى سقوط أوراق وأغصان الشجر، ولهذا سمّی الشاب الیافع الذی لم ینبت الشعر فی وجهه بالأمرد، وعلى هذا فإنّ الشیطان المرید یعنی ذلک الشیطان الذی سقطت منه جمیع صفات الفضیلة، ولم یبق فی وجوده شیء من مصادر القوّة.

أو قد تکون هذه الکلمة مأخوذة من الأصل «مرود» بمعنى الطغیان والجبروت، أی إنّ معبود هؤلاء الوثنیین هو شیطان متکبر متجبر.

والحقیقة أنّ القرآن قسم أصنام هؤلاء المشرکین إلى نوعین: بعضها ضعیف الإرادة مطلقاً، والبعض الآخر طاغ متکبر متجبر، لکی یبیّن أنّ الذی یسلم قیاده ویخضع لمثل هذه الأصنام إنّما یعیش فی ضلال واضح مبین.

بعد ذلک کله تشیر الآیة إلى صفات الشیطان وأهدافه وعدائه الخاص لأبناء آدم وتتناول بالشرح بعضاً من خططه الدنیئة، وقبل کل شیء تؤکّد أنّ الله قد أبعد الشیطان عن رحمته (لعنه الله ).

وفی الحقیقة فإنّ أساس شقاء وتعاسة الشیطان هو البعد عن رحمة الله، التی أصابته بسبب غروره وتکبره المفرطین، وبدیهی أنّ من یکون بعیداً عن رحمة الله کالشیطان، یکون خاویاً من کل خیر أو حسن، ولا یمکنه أن یترک خیراً أو حسناً فی حیاة غیره، وفاقد الشیء لا یعطیه، فهو لن یکون غیر نافع فحسب، بل سیکون ضاراً أیضاً.

ثمّ تذکر الآیة التالیة أنّ الشیطان قد أقسم على أن ینفذ بعضاً من خططه:

أوّلها: أن یأخذ من عباد الله نصیباً معیناً، حیث تقول الآیة حاکیة قول الشیطان:

(وقال لأتخذن من عبادک نصیباً مفروضاً ) فالشیطان یعلم بعجزه عن اغواء جمیع عباد الله، لأنّ من یستسلم لإرادة الشیطان ویخضع له هم فقط اُولئک المنجرفون وراء الأهواء والنزوات، والذین لا إیمان لهم، أو ضعاف الإیمان.

والثّانیة: خطط الشیطان تلخصها الآیة بعبارة: (ولاُضلّنهم ).

والثّالثة: اشغلهم بالاُمنیات العریضة وطول الأمل (ولاُمنینهم ) (1).

أمّا الخطّة الرّابعة: ففیها یدعو الشیطان أتباعه إلى القیام بأعمال خرافیة، مثل قطع أو خرق أذان الحیوانات کما جاء فی الآیة: (ولأمرنّهم فلیبتکن أذان الأنعام ) وهذه إشارة لواحد من أقبح الأعمال التی کان یرتکبها الجاهلیون المشرکون، حیث کانوا یقطعون أو یخرقون أذان بعض المواشی، وکانوا یحرمون على أنفسهم رکوبها بل یحرمون أی نوع من أنواع الإنتفاع بهذه الحیوانات.

وخامس: الخطط التی أقسم الشیطان أن ینفذها ضد الإنسان، هی ما ورد على لسانه فی الآیة إذ تقول: (ولأمرنهم فلیغیّرن خلق الله ) وهذه الجملة تشیر إلى أنّ الله قد أوجد فی فطرة الإنسان منذ خلقة إیاه ـ النزعة إلى التوحید وعبادة الواحد الأحد، بالإضافة إلى بقیة الصفات والخصال الحمیدة الأخرى، ولکن وساوس الشیطان والانجراف وراء الأهواء والنزوات تبعد الإنسان عن الطریق المستقیم الصحیح، وتحرفه إلى الطرق المعوجة الشاذة.

والشاهد على والقول أیضاً الآیة 30 من سورة الرّوم، إذ تقول: (فأقم وجهک للدین حنیفاً فطرت الله التی فطر الناس علیها لا تبدیل لخلق الله ذلک الدین القیم ).

ونقل عن الإمام الصّادق (علیه السلام) أنّه فسّره بأنّ القصد من التغییر المذکور فی هذه الآیة من سورة النساء هو تغییر فطرة الإنسان وحرفها عن التوحید وعن أمر الله (2).

وهذا الضرر الذی لا یمکن التعویض عنه، یلحقه الشیطان بأساس سعادة الإنسان، لأنّه یعکس له الحقائق والوقائع ویستبدلها بمجموعة من الأوهام والخرافات والوساوس التی تؤدّی إلى تغییر السعادة بالشقاء للناس، وقد أکّدت الآیة فی آخرها مبدأ کلیاً، وهو أنّ أی إنسان یعبد الشیطان ویجعله لنفسه ولیاً من دون الله، فقد ارتکب إثماً وذنباً واضحاً إذ تقول الآیة: (ومن یتخذ الشّیطان ولیاً من دون الله فقد خسر خسراناً مبیناً ).

والآیة التی تلت هذه الآیة جاءت ببعض النقاط بمثابة الدلیل على ما جاءت به الآیة السابقة حیث ذکرت أنّ الشیطان یستمر فی إعطائه الوعود الکاذبة لأولئک ویمنیهم الأمنیات الطوال العراض، ولکنه لا یفعل شیئاً بالنسبة لهؤلاء غیر الإغواء والخداع: (یعدهم ویمنیهم وما یعدهم الشیطان إلاّ غروراً ) (3).

وبیّنت آخر آیة من الآیات الخمس الأخیرة مصیر أتباع الشیطان، بأنّهم ستکون نتیجتهم السکنى فی جهنم التی لا یجدون منها مفراً أبداً، فتقول الآیة: (اُولئک مأواهم جهنم ولا یجدون عنها محیصاً )(4).


1. إنّ عبارة «ولاُمنیّنهم» تعود إلى المصدر «منى» على وزن «منع» وتعنی قیاس الشیء أو تقییمه، ولکنّها ترد فی أغلب الأحیان لتعنی القیاس والتقییم والآمال الوهمیة والخیالیة أمّا النطفة التی تسمّى بـ «منی» فمعناها أن قیاس ترکیب أولى الموجودات الحسیة قد تمّ فیها.
2. تفسیر التبیان، ج 3، ص 334.
3. «الغرور» یعنی فی الأصل الأثر الواضح للشیء، ولکنه یطلق فی الغالب على الآثار التی لها ظاهر خادع وباطن کریه، ویطلق على کل شیء یخدع الإنسان مثل المال والجاه والسلطان التی تبعد الإنسان عن الحق وعن جادة الصواب على أنّه مادة للغرور.
4.«المحیص»مشتق من المصدر «حیص» ویعنی العدول والانصراف عن الشیء، وعلى هذا الأساس فإنّ المحیص هو وسیلة الانصراف والفرار.

 

سورة النساء / الآیة 117 ـ 121 سورة النساء / الآیة 122
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma