الموضوع الآخر الذی تجب ملاحظته هو، أنّ أیّ عالِم و باحِثُ، لا یقول یجب التّسلیم لجمیع أفکار هذا الفیلسوف أو ذاک، مهما کان من النبوغ و سُمو المقام، لأنّ التّسلیم المُطلق لا مفهوم له فی المباحث العلمیّة، و لا یتَّفِق أبداً مع روح التحقیق.
العلم و الفلسفة یجب أن یتقدَّما تدریجیّاً، و لیس هنالک من وسیلة لِلتطور و التّکامل غیر التّحقیق و المتابعة و النقد.
نحن لا نعتبر إبن سینا مَعصوماً، و لا کُلّ أفکاره صحیحة و مطابقة للواقع، بل ننظر دائماً إلى مَنطِقها و إستدلالاتها، و نستلهم أحیاناً من الأفکار السامیة، و ما رأیناه صحیحاً بأفکارنا أخذناه و إلاّ رفضناه.
إنّ عَوامّ الناس قد یقولون: لأنّنا قبلنا کلام ابن سینا المُبرهن فی بحث إبطال عَودة الأرواح، و یجب أن نقبل کلّ کلامه، و أسوَأ من کلام العوام، أن یضرب شخص جمیع أفکار عالِم کإبن سینا عرض الحائط، لأنّ نظریته فی المسألة الفلانیّة قد رُفضت، و یعتبر جمیع أرائه الفلسفیّة العمیقة عدیمة القیمة.
النّقد لیس جائزاً فحسب، بل هو ضرورةٌ لازمةٌ لإحیاء المجتمع، أو التّخصص العلمی و الفکری، ولکن أیّ نقد؟; إنّه النّقد الصادر ممّن له صلاحیّة النّقد العلمیّة، یعنی من له رأی و تخصّص، لا النقد الصّادر ممن لا یدرک الألفباء الأولى من ذلک الفن.
عندئذ لا یجوز أبداً أن یفسّر النقد بمعنى الإهانة، و التحقیر، و الهتک، و التمویه و أمثال ذلک، فهذه طریقةٌ خاطئةٌ للتفکیر.
من العجب أنّه فی بلد یحتضن مهرجان الألفیّة لأبی علی بن سینا، و یشترک فیه مئات العلماء و الشّخصیات العالمیّة، و تُلقى المحاضرات الکثیرة حول شخصیّة «إبن سینا»، و تسمّى بإسمه عشرات المُؤسّسات الکبیرة، و فی الغرب یولّونه إحتراماً أکثر من الشّرق، أن یُهاجم إبن سینا بهذا الأُسلوب العَنیف، البعید عن المنطق و الأدب و مَتوهِّماً أنّها وسیلة لشیوع شهرته، و یطلق عبارات یضحک علیه من سمعها، مثلا یقول فیه: (إن إبن سینا لم یکن أساساً فیلسوفاً بالمعنى الواقعی للکلمة، و لم تکن له آراء خاصّة منظّمة... و ما إشتهر بإسم فلسفة إبن سینا ما هو إلاّ مزیج مطبوخ)!.
(إطلاعات هفتکی - العدد 1498 - ،مقالة أسرار الحیاة و الموت).
حسناً أیّها الکاتب، لو أنّ إبن سینا الذی سمّاه الغربیّون فیلسوف العرب (المسلمین) لم یکن فیلسوفاً، إذن من هو الفیلسوف؟، أنت تصرِّح بأنّک ودَّعت آثاره منذ أربعین سنة، و لا یعلم أساساً أنّک قد قرأت آثاره أم لا، فکیف ترید و بکلِّ جَسارة أن تخطَّ بقلم أحمر على فلسفة إبن سینا؟.
إنّ طریقة تفکیر کهذه لا تنسجم مع أیّ منطق.