خلافاً لما یتصوّره البعض، فإنّ روح الإنسان لم تکن موجوداً کاملا و مُعدّاً حاضراً، و لکنّه یطوی أدواره التکاملیّة فی هذا العالم بصورة تدریجیّة.
من الذی لا یعلم أنّ روح الطّفل طفولیّة کَبدَنِه؟. و روح الشّاب هى شابّةٌ نشطةٌ و ثائرةٌ و ساخنةٌ مثله؟.
إنّ روح الإنسان و بدنه، على علاقة وثیقة جدّاً ببعضهما، و یؤثّر أحدهما فی الآخر تأثیراً مباشراً.
الدراسات الحدیثة لفلاسفتنا التی بُنیت على أساس نظریّة (الحرکة الجوهریّة)، تُظهِر أنّ من المُستحیل إعتبار الرّوح کائناً مُستقلاّ و منفصلا عن الجسد، و الحقیقة هذا نوعٌ من الثنویّة و الإتحاد، بل العلاقة بین الإثنین أکثر ممّا نتصور، الى جانب تأثیر أحدهما بالآخر، أو بتعبیر البَعض فإنّ علاقة الرّوح بالجسد، کعلاقة (ماء الورد) بالورد، و إنّ علماء النّفس المُعاصرون، تقدّموا فی هذا الحقل و وثّقوا العلاقة أکثر بینهما.
ولا ینبغی الخَلط هنا، فنحن لا نَزْعُم ما یردّده المادّیون، من أنّ الرّوح لَیست سِوى خَواص المادّة، بل نُرید أن نقول: إنّ الرّوح فی الوقت الذی تکون فیه کائناً، فوق المادّة، هى على إرتباط و إتحاد وثیق بالجسم و المادّة.
لم یکن هذا إدعاءً بل حقیقةً، و إنّ الفلسفة و علم النّفس یثبتان ذلک.
و نستنتج من هذا کُلِّه: إنّه کما أنّ أىّ جسمین لا یتشابهان من جمیع الجِهات، کذلک لا یمکن لروحین أن یتشابها من جمیع الجهات.
فَلأن الرّوح ستحمل صبغة بدنها، فإنّها ستتطور بالنّسبة لذلک. و لهذا فإنّک لن تجد أبداً، شخصین مُتشابهین فى شخصیتهما و حالاتهما النّفسیة، و شِئتَ أم أبیتَ ستجد بینهما نقاط إختلاف و تفاوت.
و بتعبیر آخر لو أن هناک جِسمین مُتشابهین من جمیع الجِهات، فیسکونان جَسداً و احداً، ولو أنّ هنالک روحین مُتشابهین فی کلّ الأشیاء فسیکونان رُوحاً واحداً.
مع الأخذ بنظر الإعتبار سنَخیّة (النّفس) و (البدن)، أو (الرّوح) و (الجسم)، فمن غیر المُمکِن لأیِّ روح أن تستقر فی بدن آخر غیر بدنها، ما دام لیس بینهما تطابق و توافق.
کلّ جسم لائق و موافق للروح التی ترتبط به، و بالعکس فإنّ کلّ روح لائقة و موافقة لجسدها.
و یبدو هذا التّناسب و الإنسجام، الى درجة بحیث لو إفترض إرسال روح الى جسد آخر، لکانت غریبةً علیه تماماً و لیست مُناسبةً له.
و کذلک بنفس هذا الدّلیل، یجب أن تعود الرّوح لهذا البدن نفسه (یوم القیامة)، لأنّ إستمرار نشاط الرّوح الحیوی، لا یتم بدونه، فقد ترتّب معه، و ستعیش معه ولکن فی مرحلة أکمل.
ویبدو أنّ أتباع عقیدةِ (التّناسخ) نسوا کلّ هذه الحقائق، و توهّموا أنّ (الرّوح)، هى مسافرةٌ تحل أحیاناً فی هذا المنزل، و أحیاناً أُخرى فی ذلک المنزل، أو کطیر خفیف الطّیران، یسکن کلّ یوم فی عشٍّ جدید. مع أنّ الأمر لیس کذلک; فالمُسافر و الطّیر شیءٌ، و المنزل و العِش شیءٌ آخر. ولکنّ الرّوح و الجسم، بینهما من الإرتباط و الإمتزاج ما لا یستطیع أن یکون هذا الجسد قالباً لروح أخرى، و لا الرّوح الأُخرى یمکنها أن تعیش و تقترن و تتّفق مع هذا الجسد، أنّهما مثل الأقفال المختلفة، لکلّ قُفل مفتاحٌ خاصّ، لا یصلح إلاّ له.