هنا نقطة یجب أن تلاحظ بدقة، حتّى یمکن تفادی أیّ سوء فهم فی هذا المجال، و ذلک أنّ فلسفة الشّرق تترکّب من بحوث مختلفة یمکن تلخیصها فی قسمین:

القِسم الأوّل: البحوث فی المسائل العامّة و الإلهیات.

القِسم الثانی: فی الطبیعیّات و الفلکیّات.

فی القسم الأوّل الذی یُشکِّل أساس الفلسفة، بحثٌ عن القوانین العامّةِ للوجود، و تلک الأُسس العامّة تَحکُم کلّ عالَم الوُجود.

و فی القسم الثانی بحثٌ عن سلسلة بحوث العلوم الطبیعیّة و الفلکیّة.

و مِمّا لا یَنکر أنّ القسم الثانی قد أصبح عرضةً للتغیرات الکثیرة، و الأفلاک البَطلیموسیَّة التّسعة، حلَّ محلّها شکلٌ جدیدٌ وضع أساسه کلّ من «کلیر» و «غالیلو»، وزالت من البیت العناصر الأربعة: الماء، و الهواء، و التراب و النار، و إتّضح أنّ جمیعها «مرکَّبةٌ» من الماء، و حلّ محلها أکثر من مائة عنصر، و إنشطرت «الذّرة غیر القابلة للإنقسام» على رأی القدماء، و إضمحلّت و تلاشت فی ظِلّ التّفاسیر العلمیّة الجدیدة، التی قامت على أساس التّجارب أو المُشاهدات أو التَحلیل.

لکنّنا نعلم بأنّ کلّ هذا یرتبط بالقسم الثّانی من فلسفة الشّرق، و فی الواقع لا یُعد جزءاً من الفلسفة، و الیوم یسمونها «العلوم» التی تقع مقابل «الفلسفة».

«العلوم» تبحث فی المواضیع و الأشیاء الخاصّة، بینما تبحث «الفلسفة» فی القوانین و الأُسس العامّة، القسم الأوّل من فلسفة الشّرق لا یزال مُحتفظا بقیمته کما کان.

بناءً على هذا، فإنّ من یتّخذ مسألة الأفلاک البطلیموسیّة ذریعةً لِسحق «فلسفة الشرق»، فإنّه لم یُدرک المعنى الصّحیح لِلفلسفة، و الفرق بینها و بین «العِلم»، و لا یَعی رسالة فلسفة الشّرق.