أوضح السّبل لمعرفة الله

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 2
أهمیة هذه الآیاتسورة آل عمران / الآیة 195

آیات القرآن الکریم لیست للقراءة والتلاوة فقط، بل نزلت لکی یفهم الناس مقاصدها ویدرکوا معانیها، وما التّلاوة والقراءة إلاّ مقدمة لتحقیق هذا الهدف، أی التفکر والتدبر والفهم، ولهذا جاء القرآن فی الآیة الاُولى من الآیات الحاضرة یشیر إلى عظمة خلق السماوات والأرض، ویقول: (إنّ فی خلق السماوات والأرض واختلاف اللیل والنهار لآیات لاُولی الألباب ) (1) .

وبهذا یحثّ الناس على التفکر فی هذا الخلق البدیع والعظیم، لیصیب کلّ واحد منهم ـ بقدر استعداده، وقدرته على الاستیعاب ـ من هذا البحر العظیم الذی لا یدرک له ساحل ولا قعر، ویرتوی من منهل أسرار الخلق العذب.

حقّاً أنّ هذا الکون العظیم بما فیه من نظام متقن وبدیع، ونقوش رائعة، ولوحات خلابة کتاب بالغ العظمة، کتاب فی کلّ حرف من حروفه، وکل سطر من أسطره دلیل ساطع على وجود الله الخالق المبدع ووحدانیته، وتفرّده (2) .

إنّ هذا النقش الساحر الآسر للقلوب، المبثوث فی کل ناحیة من نواحی هذا الکون العریض یشدّ إلى نفسه فؤاد کلّ لبیب وعقله شدّاً ـ یجعله یتذکر خالقه، فی جمیع الحالات، قائماً أو قاعداً، وحین یکون فی فراشه نائماً على جنبه، ولهذا یقول سبحانه: (الذین یذکرون الله قیاماً وقعوداً وعلى جنوبهم ویتفکّرون فی خلق السماوات والارض ) أی إنّهم مستغرقون کامل الإستغراق فی التفکیر الحیوی حول هذا الکون الرائع ونظامه البدیع ومبدعه، ومبدیه.

ولقد اُشیر ـ فی هذه الآیة ـ إلى الذکر أوّلا، ثمّ إلى الفکر ثانیاً، ویعنی ذلک أن ذکر الله وحده لا یکفی، إنّ الذکر إنّما یعطی ثماره القیّمة إذا کان مقترناً بالفکر، کما أنّ التفکر فی خلق السماء والأرض هو الآخر لا یُجدی ولا یوصل إلى النتیجة المتوخاة ما لم تقترن عملیة التفکر بعملیة التذکر، وبالتالی لا یقرن الفکر بالذکر. فما أکثر العلماء الذین یقفون ـ فی تحقیقاتهم الفلکیة والفضائیة ـ على مظاهر رائعة من النظام الکونی البدیع، ولکنّهم حیث لا یتذکرون الله ولا ینظرون إلى کل هذه المظاهر بمنظار الموحد الفاحص، بل ینظرون إلیها من الزاویة العلمیة المجردة البحتة، فإنّهم لا یقطفون من هذه التحقیقات ما یترتب علیها من النتائج التربویة والآثار الإنسانیة، ومثلهم فی ذلک مثل من یأکل طعاماً لیقوى به جسمه فلا یکون لما یأکله أی أثر فی تقویة فکره وروحه.

إنّ التفکیر فی أسرار الخلیقة، وفی نظام السماء والأرض یعطی للإنسان وعیاً خاصّاً ویترک فی عقله آثاراً عظیمة، وأوّل تلک الآثار هو الإنتباه إلى هدفیة الخلق وعدم العبثیة فیه، فالإنسان الذی یلمس الهدفیة فی أصغر أشیاء هذا الکون کیف یمکنه أن یصدق بأنّ الکون العظیم بأسره مخلوق من دون هدف، ومصنوع من دون غایة؟

لو أنّنا نظرنا فی ترکیبة نبتة معینة للاحظنا أهدافاً واضحة فیها، وهکذا نلاحظ مثل تلک الأهداف فی قلب الإنسان وما فیه من حفر، وصمامات، وأبواب وبطون، فکلّ شیء فیه مخلوق لغایة، ومجعول لهدف، وکذا الحال فی طبقات العین، بل وحتى الأجفان، والأظافر، کل واحد منها یؤدّی دوراً، ویحقق غایة، فهل یمکن أن یکون لهذه الأجزاء الصغیرة جداً بالنسبة للکون العظیم أهداف واضحة وغایات ملحوظة، ولا یکون لمجموعة المتمثل فی الظاهرة الکونیة الهائلة العظیمة أی هدف مطلقاً؟ (ربّنا ما خلقت هذا باطلا ).

إنّ العقلاء لا یمکنهم وهم یواجهون هذه الحقیقة الساطعة إلاّ أن یقولوا بخشوع هذه الجملة: (ربّنا ما خلقت هذا باطلا سبحانک ) أی ربّنا إنّک لم تخلق هذا العالم العظیم، وهذا الکون الذی لا یعرف له حدّ، وهذا النظام المتقن البدیع إلاّ على أساس الحکمة والمصلحة، ولهدف صحیح، فکل هذا آیة وحدانیتک، وکل هذا ینزّهک عن اللّغو والعبث.

إنّ أصحاب العقول السلیمة الواعیة بعد أن یعترفوا بالهدفیة فی الخلیقة یتذکرون أنفسهم فوراً، وکیف یعقل أن یکونواـ وهم ثمرة هذا الموجود نفسه وهذا الکون بالذات ـ قد خلقوا سدى، أو جاؤوا إلى هذه الحیاة عبثاً، وأنّه لیس هناک من هدف سوى تربیتهم وتکاملهم!!

إنّهم لم یأتوا إلى هذه الحیاة لأجل أن یعیشوا فیها أیّاماً سرعان ما تفنى وتنقضی، فذلک أمر لا یستحق کلّ هذا العناء والتعب کما لا یلیق بمکانة الإنسان ولا یتناسب مع حکمة الله العلیا، بل هناک دار اُخرى تنتظرهم حیث یجدون فیها جزاء أعمالهم، إنّ خیراً فخیر، وإنّ شرّاً فشر، وفی هذه اللحظة ینتبهون إلى مسؤولیاتهم، ویسألون الله التوفیق للقیام بها حتى

یتجنّبوا عقابه، ولهذا یقول:

(فقنا عذاب النّار ) ثمّ یقول: (ربّنا إنّک من تدخل النّار فقد أخریته... ).

ویستفاد من هذه العبارات أنّ العقلاء یخافون من الخزی قبل أن یخافوا من نار جهنم، وهذا هو حال کل من یمتلک شخصیة، فإنّه مستعد لأن یتحمل کلّ شیء من الأذى والمحن شریطة أن یحافظ على شخصیته، ولهذا فإنّ أشدّ عقوبات الآخرة على هؤلاء هو الخزی فی محضر الله وعند عباده.

على أن النقطة الجدیرة بالاهتمام التی تنطوی علیها جملة (وما للظّالمین من أنصار ) هی أنّ العقلاء بعد التعرف على الأهداف التربویة المطلوبة للإنسان یقفون على هذه الحقیقة وهی أنّ الوسیلة الوحیدة لنجاح الإنسان ونجاته هی أعماله وممارساته، ولهذا لا یمکن أن یکون للظالمین أی أنصار، لأنّهم فقدوا النصیر الأصلی وهو العمل الصالح، والترکیز على لفظة «الظلم» إمّا لأجل خطورة هذه المعصیة من بین المعاصی الاُخرى، وإمّا لأنّ جمیع الذنوب ترجع إلى ظلم الإنسان لنفسه.

على أنّه لیست ثمّة أیّة منافاة بین هذه الآیة ومسألة الشفاعة (بمعناها الصحیح) لأنّ الشفاعة (کما قلنا سابقاً فی بحث الشفاعة) تحتاج إلى قابلیة وأهلیة خاصّة فی المشفوع له، وهذه الأهلیة والصلاحیة لشمول الشفاعة تحصل فی ضوء بعض الأعمال الصالحة الخیّرة.

ثمّ إنّ أصحاب العقول وذوی الألباب بعد التعرف على هدف الکون والغایة من الخلق ینتبهون إلى هذه النقطة، وهی أنّ هذا الطریق الوعر یجب أن لا یسلکه أحد بدون قیادة الهداة الإلهیین، ولهذا فهم یترصّدون نداء من یدعوهم إلى الإیمان بصدق وإخلاص ویستجیبون لأوّل دعوة یسمعونها منه ویسرعون إلیه، ویعتنقونها بعد أن یحققوا فیها، ویتأکدوا من صدقها وصحّتها ویؤمنون بها بکلّ وجودهم، ولهذا یقولون فی محضر ربّهم:

(ربّنا إننا سمعنا منادیاً ینادی للإیمان أن آمنوا بربّکم فآمنا ربّنا فاغفر لنا ذنوبنا وکفّر عنّا سیّئاتنا وتوفّنا مع الأبرار ).

أی ربّنا الآن وقد آمنا بکل وجودنا وإرادتنا، ولکننا یحیط بنا طوفان الغرائز المختلفة من کلّ جانب، فربّما ننزلق وربّما نزلّ ونرتکب معصیة، ربّنا فاغفر لنا زلتنا، واستر عثرتنا، وتوفّنا مع الأبرار الصالحین.

لقد اتصل هؤلاء بالمجتمع الإنسانی إتصالا عجیباً، وترکوا التفرد والأنانیة إلى درجة أنّهم یطلبون من الله فی دعواتهم أن لا یجعلهم مع الأبرار والصالحین فی حیاتهم فحسب، بل

یجعل مماتهم ـ سواء أکان مماتاً طبیعیاً أو بالشهادة فی سبیل الله ـ کممات الأبرار الصالحین أیضاً، أو یحشرهم معهم، لأن الموت مع الأشرار موتة مضاعفة، وعناء مضاعف.

سؤال: وهنا یطرح سؤال وهو ماذا یعنی الستر على السیئات بعد طلب غفرانها؟

والجواب: مع ملاحظة بقیة الآیات القرآنیة تتضح حقیقة الإجابة على هذا السؤال، فإن الآیة 31 من سورة النساء تقول: (إن تجتنبوا کبائر ما تنهون عنه نکفّر عنکم سیّئاتکم )فیستفاد من ذلک أنّ السیئات تطلق على المعاصی الصغیرة، ولهذا فإنّ العقلاء ذوی الألباب یطلبون من اللّه فی أدعیتهم وضراعاتهم أنْ یغفر لهم ذنوبهم الکبیرة، ویستر ـ عقب ذلک ـ على ذنوبهم الصغیرة، ویمحو آثارها من الوجود.

ثمّ إن هؤلاء العقلاء یطلبون من ربّهم فی نهایة المطاف، وبعد أن یسلکوا طریق الإیمان والتوحید وإجابة دعوة الأنبیاء والقیام بالواجبات الموجهة إلیهم، أن یؤتیهم وعدهم على لسان الرسل فیقولون: (ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلک ) أی ربّنا لقد وفینا بالتزاماتنا، فأتنا ما وعدتنا عن طریق أنبیائک ورسلک ولا تفضحنا ولا تلحق بنا الخزی یوم القیامة: (ولا تخزنا یوم القیامة إنّک لا تخلف المیعاد ).

إنّ الترکیز على «الخزی» یؤکّد مرّة اُخرى هذه الحقیقة الهامّة، وهی أنّ هؤلاء بسبب ما یرون لشخصیتهم من أهمیّة واحترام یعتبرون «الخزی» من أشد ما یلحق بالإنسان من الأذى، ولهذا یرکّزون علیه دون سواه من ألوان العقوبات.

وفی مستدرک الوسائل نقلا عن أبی الفتوح الرّازی فی تفسیره، أنّه (صلى الله علیه وآله) قال: من کان له إلى الله حاجة فلیقل خمس مرات «ربّنا» یعطى حاجته، ومصداق ذلک فی کلام الله فی قوله تعالى: (ربّنا ما خلقت هذا باطلا ) إلى آخر الآیات فیها ربّنا خمس مرّات ثمّ قال تعالى: (فاستجاب لهم ربّهم ) (3) .

ومن الواضح أنّ التأثیر الواقعی والعمیق لهذه الآیات، إنّما یتحقق إذا وافق اللسان فی ما یقوله القلب والعمل، وأن یحل مضمون هذه الآیات - الذی یکشف عن طریقة تفکیر اُولی الألباب وشدّة حبّهم لله، وإحساسهم بالمسؤولیات الملقاة على عواتقهم، والقیام بواجباتهم-، فی فؤاد قارئها وقلبه، فیحصل له نفس ذلک الخضوع والخشوع الحاصل لاُولی الألباب عند مناجاتهم لله، وتضرعهم إلیه.


1. التعبیر بـ «اُولی الألباب» فی هذه الآیة وآیات عدیدة اُخرى فی الکتاب العزیز ـ إشارة لطیفة إلى أرباب العقول، لأنّ «اللب» من کلّ شیء خیره خالصه، ولا شک أنّ العقل هو خیر ما فی الإنسان، وهو عصارة وجوده الإنسانی.
2. لقد بحثنا فی هذا التّفسیر فی معنى اختلاف اللیل والنهار وأسرارهما عند تفسیر الآیة 164 من سورة البقرة فراجع.
3. مستدرک الوسائل، ج 5، ص 219; وتفسیر القرطبی، ج 4، ص 318.

 

أهمیة هذه الآیاتسورة آل عمران / الآیة 195
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma