ثمّ إنّ القرآن بعد کلّ هذا یعطی مثالاً حیّاً من واقع الاُمة الإسلامیة لأثر الإرتباط بالله وهو یذکر ـ فی نفس الوقت ـ بنعمة الإتحاد والاُخوة ـ تلک النعمة الکبرى ـ ویدعو المسلمین إلى مراجعة الماضی المؤسف، ومقارنة ذلک الاختلاف والتمزق بهذه الوحدة القویة الصلبة ویقول: (واذکروا نعمت الله علیکم إذ کنتم أعداء فألّف بین قلوبکم فأصبحتم بنعمته إخواناً ).
والملفت للنظر هو تکرار کلمة (نعمت ) فی هذه الآیة مرّتین وهو إشعار بأهمیّة الوحدة هذه الموهبة الإلهیّة التی لا تحققّ إلاَّ فی ظل التعالیم الإسلامیة والإعتصام بحبل الله.
والنقطة الاُخرى الجدیرة بالاهتمام أیضاً هی أنّ الله نسب تألیف قلوب المؤمنین إلى نفسه فقال: (فألّف بین قلوبکم ) أی إنّ الله ألف بین قلوبکم، وبهذا التعبیر یشیر القرآن الکریم إلى معجزة اجتماعیة عظیمة للإسلام، لأنّنا لو لاحظنا ما کان علیه العرب والمجتمع الجاهلی من عداوات واختلافات وما کان یکمن فی القلوب من أحقاد طویلة عمیقة وما تراکم فیها من ضغائن مستحکمة، وکیف أن أقل شرارة صغیرة أو مسألة جزئیة کانت تکفی لتفجیر الحروب، وإندلاع القتال فی ذلک المجتمع المشحون بالأحقاد، وخاصة بالنظر إلى تفشی الأمیة والجهل الملازم عادة للإصابة باللجاج والعناد والعصبیة، فإنّ أفراداً من هذا النوع من الصعب أن یتناسوا أبسط اُمورهم فکیف بالأحداث الدامیة الکبرى؟ ومن هنا تتجلى أهمیة المعجزة الاجتماعیة التی حققها الإسلام حیث وحد الصفوف، وألف بین القلوب، وأنسى الأحقاد، تلک المعجزة التی أثبتت أن تحقیق مثل هذه الوحدة وتألیف تلک القلوب المتنافرة المتباغضة، وإیجاد اُمة واحدة متآخیة من ذلک الشعب الممزق الجاهل ما کان لیتیسر فی سنوات قلیلة بالطرق والوسائل العادیة.