(فمن حاجّک فیه من بعد ما جاءک من العلم ).
بعد الآیات التی استدلّ فیها على بطلان القول باُلوهیة عیسى بن مریم، یأمر الله نبیّه بالمباهلة إذا جاءه من یجادله من بعد ما جاء من العلم والمعرفة، وأمره أن یقول لهم: إنّی سأدعو أبنائی، وأنتم اُدعوا أبناءکم، وأدعو نسائی، وأنتم ادعوا نساءکم، وأدعو نفسی، وتدعون أنتم أنفسکم، وعندئذ ندعو الله أن ینزل لعنته على الکاذب منّا (فمن حاجّک فیه من بعد ما جاءک من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءکم ونساءنا ونساءکم وأنفسنا وأنفسکم ثمّ نبتهل فنجعل لعنت الله على الکاذبین ).
ولا حاجة للقول بأنّ القصد من المباهلة لم یکن إحضار جمع من الناس للّعن، ثمّ لیتفرّقوا کلٌ إلى سبیله، لأنّ عملاً کهذا لن یکون له أیّ تأثیر، بل کان المنتظر أن یکون لهذا الدعاء واللّعن أثر مشهود عیاناً فیحیق بالکاذب عذاب فوری.
وبعبارة اُخرى: فإنّ المباهلة ـ وإن لم یکن فی الآیة ما یشیر إلى تأثیرها ـ کانت بمثابة «السهم الأخیر» بعد أن لم ینفع المنطق والاستدلال، فإنّ الدعاء وحده لم یکن المقصود بها، بل کان المقصود منها هو «أثرها الخارجی».