المسلمون فی بوتقة الاختبار والفرز

SiteTitle

صفحه کاربران ویژه - خروج
ورود کاربران ورود کاربران

LoginToSite

SecurityWord:

Username:

Password:

LoginComment LoginComment2 LoginComment3 .
SortBy
 
الأمثل 2
سورة آل عمران / الآیة 179 سورة آل عمران / الآیة 180

لم تکن قضیة «المنافقین» مطروحة بقوّة قبل حادثة معرکة «اُحد» ولهذا لم یکن المسلمون یعرفون عدواً لهم غیر الکفّار، ولکن الهزیمة التی أفرزتها «اُحد» وما دبّ فی المسلمین على أثرها من الضعف المؤقت مهّد الأرضیة لنشاط المنافقین المندسّین فی صفوف المسلمین، وعلى أثر ذلک عرف المسلمون وأدرکوا بأنّ لهم عدواً آخر أخطر یجب أن یراقبوا تحرکاته ونشاطاته وهو «المنافقون»، وکان هذا إحدى أهم معطیات حادثة «اُحد» ونتائجها الإیجابیة.

والآیة الحاضرة التی هی آخر الآیات التی تتحدث ـ هنا ـ عن معرکة «اُحد» وأحداثها، تبیّن وتستعرض هذه الحقیقة فی صورة قانون عام إذ تقول: (ما کان الله لیذر المؤمنین على ما أنتم علیه حتى یمیز الخبیث من الطّیّب ) فلابدّ أن تتمیز الصفوف، وتتمّ عملیة الفرز بین الطیب الطاهر، والخبیث الرجس، وهذا قانون عام وسنّة إلهیّة خالدة وشاملة، فلیس کلّ من یدعی الإیمان، ویجد مکاناً فی صفوف المسلمین یترک لشأنه، بل ستبلى سرائره، وتنکشف حقیقته فی الآخرة بعد الاختبارات الإلهیة المتتابعة له.

وهنا یمکن أنْ یطرح سؤال (وهو السؤال الذی کان مطروحاً بین المسلمین آنذاک أیضاً حسب بعض الأحادیث والرّوایات) وهو: إذا کان الله عالماً بسریرة کل إنسان وأسراره فلماذا لا یخبر بها الناس ـ عن طریق العلم بالغیب ـ ویعرفهم بالمؤمن والمنافق؟

إنّ المقطع الثّانی من الآیة وهو قوله: (وما کان الله لیطلعکم على الغیب ) یجیب على هذا السؤال، أی إن الله سبحانه لن یوقفکم على الأسرار، لأنّ الوقوف على الأسرار ـ على عکس ما یظن کثیرون لا یحلّ مشکلة، ولایفکّ عقدة، بل سیؤدّی إلى الهرج والمرج والفوضى، وإلى تمزق العلاقات الاجتماعیة وانهیارها، وإنطفاء شعلة الأمل فی النفوس وتبدده، وتوقف الناس عن الحرکة والنشاط والفعالیة.

والأهم من کلّ ذلک هو أنّه لابدّ أنْ تتضح قیمة الأشخاص من خلال المواقف العملیة والسلوکیة، ولیس عن أی طریق آخر، ومسألة الاختبار الإلهی لاتعنی سوى هذا الأمر، ولهذا فإن الطریق الوحید لمعرفة الأشخاص وتقویمهم هو أعمالهم فقط (1) .

ثمّ إنّ الله سبحانه یستثنی الأنبیاء من هذا الحکم إذ یقول: (ولکنّ الله یجتبی مِن رُسله مَن یشاء ) أی إنّه یختار فی کل عصر من بین أنبیائه من یطلعهم على شیء من تلک الغیوب ویوقفهم على بعض الأسرار بحکم احتیاج القیادة الرسالیة إلى ذلک، وتبقى الأعمال ـ مع ذلک کلّه ـ هی الملاک الوحید والمعیار الخالد والمسار الأبدی لمعرفة الأشخاص وتمییزهم وتصنیفهم.

ومن هذه العبارة یستفاد أنّ الأنبیاء ـ بحسب ذواتهم ـ لا یعرفون شیئاً من الغیب، کما ویستفاد منها أنّ ما یعلمونه منه إنّما هو بتعلیم الله لهم وإطلاعهم على شیء من الغیوب، وعلى هذا الأساس یکون الأنبیاء ممن یطلعون على الغیب، کما أن مقدار علمهم بالغیب یتوقف على المشیئة الإلهیّة.

ومن الواضح والمعلوم أنّ المراد من المشیئة الإلهیّة فی هذه الآیة ـ کغیرها من الآیات ـ هو «الإرادة المقرونة بالحکمة» أی إنّ الله سبحانه یطلع على الغیب کلّ من یراه صالحاً لذلک، وتقتضی حکمته سبحانه ذلک.

ثمّ أنهّ تعالى یذکرهم ـ فی ختام الآیة ـ بأن علیهم ـ وهو الآن فی بوتقة الحیاة، بوتقة الامتحان الکبیر، بوتقة التمییز بین الصالح والطالح، والطیب والخبیث، والمؤمن والمنافق ـ علیهم أن یجتهدوا لینجحوا فی هذا الامتحان ویخرجوا مرفوعی الرؤوس من هذا الاختبار العظیم، إذ یقول: (فآمنوا بالله ورسله وإن تؤمنوا وتتّقوا فلکم أجر عظیم ).

ثمّ إنّ الملاحظة الملفتة للنظر والجدیرة بالتأمل فی هذه الآیة التعبیر عن المؤمن بالطیب، ومن المعلوم أنّ الطیب هو الباقی على أصل خلقته الذی لم تشبه الشّوائب، ولم یدخل فی حقیقة الغرائب. ولم تلوثه الکدورات، فالماء الطاهر الطیب، والثوب الطیب الطاهر وما شابه ذلک هو الذی لم تلوثه الکدورات، ویستفاد من هذا أنّ الإیمان هو فطرة الإنسان الأصیلة، وهو جبلّته الاُولى.


1. لقد مرّ طرح هذا السؤال بالتفصیل عند تفسیر الآیة 155 من سورة البقرة: ( ولنبلونکم بشیء من الخوف والجوع ... ) وأجبنا هناک بأنّ الامتحان الإلهی ـ هو فی الحقیقة ـ نوع من التربیة العملیة للبشر، ولا یعنی الإستخبار والاستعلام، ولمزید الإطلاع راجع ذلک البحث.

 

سورة آل عمران / الآیة 179 سورة آل عمران / الآیة 180
12
13
14
15
16
17
18
19
20
Lotus
Mitra
Nazanin
Titr
Tahoma