إنّ مقارنة معنویة المسلمین فی معرکة «بدر» بمعنویتهم فی حادثة «حمراء الأسد» التی مرّ تفصیلها، أمر یدعو إلى الإعجاب لدى المرء، إذ کیف استطاعت جماعة منکسرة لا تملک المعنویة العالیة، ولا العدد البشری الکافی، مع ما یحمل أفرادها من الجراحات الثقیلة والإصابات الفادحة أن تغیر ملامحها فی مدّة قد لا تزید على یوم ولیلة، فتستعد وعلى درجة عالیة من العزم والإرادة لطلب العدو وملاحقته، ومواجهته مرة اُخرى إلى درجة أنّ القرآن الکریم یقول عنهم: (الَّذینَ قال لهم النّاس إنّ النّاس قد جمعوا لکم فاخشوهم فزادهم إیماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوکیل ) ثمّ استقاموا وصمدوا.
هذا هو أثر الإیمان بالهدف، فکلّما إزدادت مصائب الإنسان المؤمن وإزدادت مشکلاته إزدادت استقامته، وتضاعف ثباته، وشحذت عزیمته، وفی الحقیقة تهیّأت کل قواه المعنویة والمادیة وتعبأت لمواجهة الخطر.
إنّ هذا التغیّر العجیب، وهذا التحوّل السریع والعظیم فی مثل هذه المدّة القصیرة یوقف الإنسان على مدى سرعة تأثیر التربیة القرآنیة وعمقها، ومدى فاعلیة البیان النبوی الأخّاذ الذی یکاد یکون معجزة.