یذهب بعض المؤرخین إلى أن «ابن قمئة» الذی قتل الجندی الإسلامی البطل «مصعب بن عمیر» وهو یظن أنّه النّبی، هو الذی صاح «واللات والعزى: لقد قتل محمّد».
وسواء کانت هذه الشائعة من جانب المسلمین،أو العدو فإنّها ـ ولاریب ـ کانت فی صالح الإسلام والمسلمین لأنّها جعلت العدو یترک ساحة القتال ویتجه إلى مکّة بظنّه أنّ النّبی قد قتل وانتهى الأمر، ولولا ذلک لکان جیش قریش الفاتح الغالب لا یترک المسلمین حتى یأتی على آخرهم لما کانوا یحملونه من غیظ وحنق على النّبی، بل ولما کانوا یترکون ساحة القتال حتى یقتلوا رسول الله لأنهم لم یجیئوا إلى «اُحد» إلاّ لهذه الغایة.
لم یرد ذلک الجیش الذی کان قوامه ما یقارب خمسة آلاف ـ وبعد تلک الانتصارات ـ أن یبقى ولو لحظة واحدة فی ساحة القتال، ولذلک غادرها فی نفس اللیلة إلى مکّة، وقبل أن یندلع لسان الصباح.
إلاّ أنّ شائعة مقتل النّبی (صلى الله علیه وآله) أوجدت زلزالاً کبیراً فی نفوس بعض المسلمین، ولذلک فر هؤلاء من ساحة المعرکة.
وأمّا من بقی من المسلمین فی الساحة فقد عمدوا ـ بهدف الحفاظ على البقیة من التفرق وإزالة الخوف والرعب عنهم ـ إلى أخذ النّبی (صلى الله علیه وآله) إلى الشعب من «اُحد» لیطلع المسلمون على وجوده الشریف ویطمئّنوا إلى حیاته، وهکذا کان، فإنّهم لما عرفوا رسول الله (صلى الله علیه وآله) عاد الفارون وآب المنهزمون واجتمعوا حول الرسول ولامهم النّبی (صلى الله علیه وآله) على فرارهم فی تلک الساعة الخطیرة، فقالوا یا رسول الله أتانا الخبر بأنّک قتلت فرعبت قلوبنا فولینا مدبرین.
وهکذا لحقت بالمسلمین ـ فی معرکة أحد ـ خسائر کبیرة فی الأموال والنفوس، فقد قتل منهم فی هذه الموقعة اثنان وسبعون من المسلمین فی میدان القتال، کما جرح جماعة کبیرة، ولکنهم أخذوا من هذه الهزیمة والنکسة درساً کبیراً ضمن انتصاراتهم فی المعارک القادمة، وسوف نعرض بتفصیل عند دراسة الآیات القادمة لآثار هذه الحادثة الکبرى بإذن الله سبحانه. (1)
1. الکامل، لابن الاثیر، ج 1، ص 547 ومابعد.
