لقد استشار النّبی أصحابه فی هذه المسألة یوم الجمعة، ولذلک فإنّه بعد انتهاء المشاورة قام یخطب لصلاة الجمعة وقال بعد حمد الله والثناء علیه:
«انظروا ما أمرتکم به فاتبعوه، امضوا على اسم الله فلکم النصر ما صبرتم».
ثمّ تولى (صلى الله علیه وآله) بنفسه قیادة المقاتلین وقد أمر بأن تعقد ثلاث ألویة، دفع واحداً منها للمهاجرین، واثنین منها للأنصار، ثمّ إنّ النّبی قطع المسافة بین المدینة«اُحد» مشیاً على الأقدام، وکان یستعرض جیشه طوال الطریق، ویرتب صفوفهم، یقول المؤرخ المعروف الحلبی فی سیرته:
وسار إلى أن وصل «رأس الثنیة» وعندها وجد کتیبه کبیره فقال (صلى الله علیه وآله) ما هذا؟ قالوا: هؤلاء خلفاء عبدالله بن أبی الیهودی فقال (صلى الله علیه وآله): أسلموا؟ فقیل: لا، فقال (صلى الله علیه وآله): «انا لا ننتصر
بأهل الکفر على أهل الشرک» فردهم، ورجع عبدالله بن أبی الیهودی ومن معه من أهل النفاق وهم ثلاثمائة رجل (1) .
ولکن المفسّرین کتبوا أن «عبدالله بن أبی» رجع من أثناء الطریق مع جماعة من أعوانه، یبلغون ثلاثمائة رجل، لأنّه لم یؤخذ برأیه فی الشورى.
وعلى أی حال فإنّ النّبی (صلى الله علیه وآله) بعد أن أجرى التصفیة اللازمة فی صفوف جیشه واستغنى عن بعض أهل الریب والشکّ والنفاق استقر عند الشعب من «اُحد» فی عدوة الوادی إلى الجبل وجعل «اُحداً» خلف ظهره واستقبل المدینة.
وبعد أن صلّى بالمسلمین الصبح صف صفوفهم وتعبأ للقتال.
فأمّر على الرمّاة «عبدالله بن جبیر» والرماة خمسون رجلاً جعلهم (صلى الله علیه وآله) على الجبل خلف المسلمین وأوعز إلیهم قائلاً:
«إن رأیتمونا قد هزمناهم حتى أدخلناهم مکّة فلا تبرحوا من هذا المکان، وإن رأیتموهم قد هزمونا حتى أدخلونا المدینة فلا تبرحوا وألزموا مراکزکم».
ومن جانب آخر، وضع أبو سفیان «خالد بن الولید» فی مأتی فارس کمیناً یتحینون الفرصة للتسلل من ذلک الشعب ومباغتة المسلمین من ورائهم وقالوا: «إذا رأیتمونا قد اختلطنا فاخرجوا علیهم من هذا الشعب حتى تکونوا وراءهم».
1. السیرة الحلبیة، ج 2، ص 233.
