إنّ التاریخ الیهودی الزاخر بالأحداث والوقائع یؤید ما ذکرته الآیات السابقة تأییداً
کاملاً، کما أن وضعهم الحاضر هو الآخر خیر دلیل على هذه الحقیقة، أی إنّ الذلة اللاّزمة للیهود والصغار الملتصق بهم أینما حلوا ونزلوا، لیس حکماً تشریعیاً کما قال بعض المفسّرین، بل هو قضاء تکوینی، وهو حکم التاریخ الصارم الذی یقضی بأن یلازم الذلة، ویصاب بالصغار کلّ قوم یتمادون فی الطغیان، ویغرقون فی الآثام، ویتجاوزون على حقوق الآخرین وحدودهم، ویسعون فی إبادة القادة المصلحین والهداة المنقذین، إلاَّ أنّ یعید هؤلاء القوم النظر فی سلوکهم، ویغیروا منهجهم وطریقتهم، ویرجعوا ویعودوا إلى الله، أو یربطوا مصیرهم بالآخرین لیعیشوا بعض الأیام فی ظل هذا أو ذاک کما هی حال الصهیونیة الیوم.
فإنّ الصهیونیة التی تعادی المسلمین الیوم وتحارب الإسلام نجدها لا تستطیع الوقوف أمام الأخطار التی تهددها إلاَّ بالاعتماد على الآخرین، وحمایتهم رغم کلّ ما تملک من الثروات والقدرات الذاتیة، وکلّ هذا یؤکد ویؤید ما ذکرته هذه الآیات وما یستفاد منها من الحقائق، ولا شکّ أنّ هذا الوضع سیستمر بالنسبة إلى الیهود إلاَّ إذا تخلوا عن سلوکهم العدوانی وأعادوا الحقوق إلى أهلها، وعاشوا إلى جانب الآخرین على أساس من الوفاق لا الغصب والعدوان والاحتلال.