یعتقد جماعة من علماء المسلمین أنّ وجوب هاتین الفریضتین لم یثبت إلاَّ بالدلیل النقلی، وأنّ العقل لا یحکم بوجوب النهی عن منکر لا یتعدى ضرره إلى غیر فاعله.
ولکن نظراً إلى العلاقات الاجتماعیة، وما للمنکر من الآثار السیئة التی لا تنحصر فی نقطة وقوعها، بل تتعداها إلى العلاقات الاجتماعیة إذ یمکن سرایة شرارته إلى کلّ نواحی المجتمع تتضح الأهمیّة العقلیة لهاتین الوظیفتین.
وبعبارة اُخرى: لیس هناک فی المجتمع ما یکون «ضرراً فردیاً» ینحصر نطاقه على الفرد
خاصة، بل کلّ ضرر فردی یمکن أن ینقلب إلى «ضرر اجتماعی» ولهذا یؤکد العقل والمنطق السلیم لأفراد المجتمع بأن لا یألوا جهداً فی الإبقاء على سلامة البیئة الإجتماعیة وطهارتها من کلّ دنس.
وقد أشیر إلى هذا فی بعض الأحادیث.
فعن النّبی (صلى الله علیه وآله) أنه قال: «مثل القائم على حدود الله والمرهن فیها کمثل قوم استهمّوا على سفینة فی البحر فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم أسفلها... فقال الذین فی أسفلها: إننا ننقبها من أسفلها فنستقى، فإن أخذوا على أیدهم فمنعوهم نجوا جمیعاً، وإن ترکوهم غرقوا جمیعاً» (1) .
ولقد جسد النّبی الأکرم (صلى الله علیه وآله) ـ بهذا المثال الرائع ـ موضوعیة الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، ومنطقیة هاتین الفریضتین بغض النظر عن أمر الشارع بهما،وبذلک قرر حقّ الفرد فی النظارة على المجتمع على أساس أنه حقّ طبیعی ناشىء من اتحاد المصائر فی المجتمع، وارتباط بعضها ببعض.
1. تفسیر روح الجنان، ج 4، ص 482; ومعجم الاوسط، للطبرانى، ج 3، ص 149.
