صرحت الآیة الاُولى من هذه الآیات الثلاث بتفنید کلّ المزاعم الیهودیة حول تحریم بعض أنواع الطعام الطیب (مثل لحوم الإبل وألبانها) وردت على هذه الکذبة بقولها: (کلّ الطعام کان حلاًّ لبنی إسرائیل إلاَّ ما حرّم إسرائیل (1) على نفسه من قبل أن تنزّل التوراة ).
أمّا لماذا حرّم یعقوب على نفسه بعض الأطعمة؟ وما هو نوع الأطعمة التی حرمها على نفسه فلم یرد فی الآیة أی توضیح بشأنها، بید أنّ المستفاد من الروایات الإسلامیة هو أنّ یعقوب کان ـ کما قیل ـ کلّما أکل من لحم الإبل أخذه وجع العرق الذی یقال له عرق النساء (2) فعزم إن شفاه الله على أن یحرم لحم الإبل على نفسه، فاقتدى به أتباعه فی هذا، حتى اشتبه الأمر على من أتوا من خلفهم فیما بعد فتصور بعض أنّه تحریم إلهی، فاعتبروا ذلک حکماً ونسبوه إلى الله، (3) وادعوا بأنّه حرم علیهم لحم الإبل، فنزلت الآیة تفند هذا الزعم ببیان علّة الإلتباس، وتصرّح بأن نسبه هذا التحریم إلى الله سبحانه محض إختلاق.
وعلى هذا فقد کان کلّ الطعام حلالاً، ولم یکن شیء من الطیبات منه حراماً على بنی إسرائیل قبل نزول التوراة، کما یفید قوله سبحانه (من قبل أن تنزّل التوراة ) وإن کان قد حرمت ـ بعد نزول التوراة ومجیء موسى بن عمران (علیه السلام) ـ بعض الأطعمة الطیبة، على الیهود لظلمهم وعصیانهم، تنکیلاً بهم، وجزاءً لظلمهم.
وتأکیداً لهذه الحقیقة أمر الله نبیّه فی هذه الآیة أن یطلب من الیهود بأن یأتوا بالتوراة الموجودة عندهم ویقرأوها لیتبین کذب ما ادعوه، وصدق ما أخبر به الله حول حلیة الطعام الطیب کله إذ قال: (قل فأتوابالتوراة فاتلوها إن کنتم صادقین ).
ولکنّهم أعرضوا عن تلبیة هذا الطلب لعلمهم بخلو التوراة عن التحریم الذی إدعوه.
والآن بعد أن تبیّن کذبهم وافتراؤهم على الله لعدم استجابتهم لطلب النّبی بإحضار التوراة، فإن علیهم أن یعرفوا بأنّ کلّ من افترى على الله الکذب إستحق وصف الظلم، لأنّه بهذا الإفتراء ظلم نفسه بتعریضها للعذاب الإلهی، وظلم غیره بتحریفه وإضلاله بما افترى، وهذا هو ما یعنیه قوله سبحانه فی ختام هذه الآیة (فمن افترى على الله الکذب من بعد ذلک فأولئک هم الظالمون ).
1. إسرائیل هو الاسم الآخر لیعقوب.
2. «عرق النساء» ألم عصبی یمتد على مسار العصب الورکی من الالیة إلى معصم القدم ویشتد هذا الألم جداً إذا ما ثنیت الساق الممتدة عند مفصل الحوض (الموسوعة العربیة المیسرة).
3. بحارالانوار، ج 9، ص 191.
