تدین هذه الآیات بصراحة کلّ عبادة، وخاصّة عبادة البشر، سوى عبادة الله، وتربّی فی الإنسان روح الحرّیة واستقلال الشخصیة، تلک الروح التی لا یکون بدونها جدیراً بحمل اسم إنسان.
نعرف من خلال التاریخ العدید من الأشخاص الذین کانوا، قبل الوصول إلى السلطة، یتمیّزون بالبراءة ویدعون الناس إلى الحقّ والعدالة والحرّیة والإیمان. ولکنّهم ما أن صعدوا عروش السلطة والهیمنة على المجتمع غیّروا سیرتهم شیئاً فشیئاً وانحازوا إلى فکرة عبادة الشخصیة ودعوا الناس إلى عبادتهم.
فی الواقع، أنّ من أسالیب تمییز «دعاة الحقّ» عن «دعاة الباطل» هو هذا. فدعاة الحقّ ـ وعلى رأسهم الأنبیاء والأئمّة ـ کانوا وهم فی قمّة السلطة، کما کانوا قبل أن تکون لهم أیّة سلطة، یدعون إلى الأهداف الدینیة المقدّسة والإنسانیة والتوحید والحرّیة، أمّا دعاة الباطل، فإنّ أوّل ما یبادرون إلیه عند وصولهم السلطة هو الدعوة لأنفسهم وحثّ الناس على نوع من عبادتهم، نتیجة تملّق الناس الضعفاء المحیطین بهم، وکذلک نتیجة ضیق اُفقهم وغرورهم.
هناک حدیث عن الإمام علی (علیه السلام) تظهر من خلاله شخصیّته الکبیرة الفذّة، ویعتبر دلیلاً وشاهداً على هذا البحث.
عند وصول الإمام (علیه السلام) إلى أرض الأنبار ـ إحدى مدن العراق الحدودیة ـ خرّ جمع من الدهّاقین ساجدین أمامه، بحسب التقالید التی إعتادوا علیها، فغضب الإمام من فعلتهم هذه وصرخ فیهم: «ما هذا الذی صنعتموه؟ فقالوا: خُلُقٌ منّا نعظّم به أمراءنا. فقال: والله ما ینتفع بهذا اُمراؤکم، وأنّکم لتشقّون على أنفسکم فی دنیاکم وتشقّون به فی آخرتکم، وما أخسر المشقّة وراءها العقاب، وأربح الدعة معها الأمان من النار». (1)