سؤال: قد یسأل سائل إذا لم نکن نعتبر إبراهیم من أتباع موسى ولا من أتباع عیسى
فنحن بطریق أولى لا نستطیع أن نعتبره مسلماً أیضاً، لأنّه کان قبل کلّ هذه الأدیان، فکیف یصفه القرآن بأنّه کان مسلماً؟
والجواب: جواب هذا السؤال هو أنّ «الإسلام» فی القرآن لا یعنی إتّباع رسول الإسلام فقط، بل الکلمة بالمعنى الأوسع تعنی التسلیم المطلق لأمر الله للتوحید الکامل الخالص من کلّ شرک وثنویة، وکان إبراهیم حامل لواء ذلک الإسلام.
وممّا تقدّم یتّضح أن إبراهیم (علیه السلام) لم یکن تابعاً لهذه الأدیان، ولکن یبقى شیء واحد، وهو من هم الذین یحقّ لهم إدعاء العلاقة والإرتباط بالدین الإبراهیمی وبعبارة اُخرى کیف یمکننا إتّباع هذا النّبی العظیم الذی یفتخر باتّباعه جمیع أتباع الأدیان السماویة؟
آخر آیة من الآیات مورد البحث توضح هذا المطلب وتقول:
(إنّ أولى الناس بإبراهیم للّذین اتّبعوه... ).
لوضع حدّ لجدل أهل الکتاب حول إبراهیم، نبیّ الله العظیم، الذی کانت کلّ جهة تدّعی أنّه منها، وکانوا یستندون غالباً إلى قرابتهم منه، أو اشتراکهم معه فی العنصر، أعاد القرآن مبدأً رئیساً إلى الأذهان وهو أنّ الإرتباط بالأنبیاء والولاء لهم إنّما یکون عن طریق الإیمان واتّباعهم فقط، وبناءً على ذلک، فإنّ أقرب الناس لإبراهیم هم الذین یتّبعون مدرسته ویلتزمون أهدافه، سواء بالنسبة للذین عاصروه (للّذین اتّبعوه ) أو الذین بقوا بعده أوفیاء لمدرسته وأهدافه، مثل نبیّ الإسلام (صلى الله علیه وآله) وأتباعه (وهذا النبیّ والذین آمنوا ).
والسبب واضح، فاحترام الأنبیاء إنّما هو لمدرستهم، لا لعنصرهم وقبیلتهم ونسبهم، وعلیه، إذا کان أهل الکتاب بعقائدهم المشرکة قد انحرفوا عن أهم مبدأ من مبادىء دعوة إبراهیم، فقد بقی رسول الإسلام (صلى الله علیه وآله) والمسلمون ـ بالاستناد إلى هذا المبدأ نفسه وتعمیمه على جمیع اُصول الإسلام وفروعه ـ من أوفى الأوفیاء له، فلابدّ أن نعترف بأنّ هؤلاء هم الأقربون إلى إبراهیم، لا اُولئک.
وفی ختام الآیة یبشر الله تعالى الذین یتبعون رسالة الأنبیاء حقیقة ویقول: (والله ولىّ المؤمنین ).
