من کلّ ما مرّ قوله تفسیراً لهذه الآیة نستنتج أنّ آیات القرآن قسمان: قسم معانیها واضحة جدّاً بحیث لا یمکن إنکارها ولا إساءة تأویلها وتفسیرها، وهذه هی الآیات «المحکمات»، وقسم آخر مواضیعها رفیعة المستوى، أو أنّها تدور حول عوالم بعیدة عن متناول أیدینا، کعلم الغیب، وعالم یوم القیامة، وصفات الله، بحیث إنّ معرفة معانیها النهائیة وإدراک کنه أسرارها یستلزم مستوىً عالیاً من العلم، وهذه هی الآیات «المتشابهات».
المنحرفون والشواذ من الناس یسعون لاستخدام إبهام هذه الآیات لتفسیرها بحسب أهوائهم وبخلاف الحقّ، لکی یثیروا الفتنة بین الناس ویضلّوهم عن الطریق المستقیم، بیدَ أنّ الله والراسخین فی العلم یعرفون أسرار هذه الآیات ویشرحونها للناس، فهم بعلمهم الواسع یفهمون المتشابهات کما یفهمون المحکمات، ولذلک فإنّهم یسلّمون بها قائلین إنّها جمیعاً من عند الله: (یقولون آمنّا به کلّ من عند ربّنا ).
وعلى هذا یکون الرسوخ فی العلم سبباً فی أن یزداد الإنسان معرفة بأسرار القرآن، ولا شکّ أنّ الذین رسخوا فی العلم أکثر من غیرهم ـ کالنبیّ (صلى الله علیه وآله) وأئمّة الهُدى ـ یعلمون جمیع أسرار القرآن، بینما الآخرون یعلمون منها کلّ بقدر سعة علمه، وهذه الحقیقة هی التی تدفع الناس، وحتى العلماء منهم، للبحث عن المعلّمین الإلهیّین لیتعلّموا منهم أسرار القرآن.